للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك تُثبِتُ كل طائفة منهم أمراً يستحق عليه العبد الجزاء كما سيأتي.

وهذه نكتة نفيسة جداً، فهذا القدر هو الذي أجمع أهل السنة عليه في الجملة، ثم اقتصر أهل الحديث عليه، ومَنْ تجاوزه، فقد دخل في علم الكلام على قدر مجاوزته.

واختلف أهل الكلام منهم في تفصيل (١) هذه الجملة وتعيين أثر قدرة الرب عز وجل، وأثر قدرة العبد، وتمييز أحد الأثَرَيْنِ على الآخر، وانتهى الأمر في ذلك إلى الدِّفَّة والغموض على كل مذهب، حتى قالت المعتزلة: إن الذوات ثابتةٌ في الأزل (٢)، وهي غير مقدورةٍ لله عز وجل، والوجود حال غير مقدور له سبحانه ولا لخلقه.

وقالت الأشعريةُ لهم: إذا كان كذلك، كان التكليف بالإيجاد تكليفاً بالمحال، لأن الوجود والموجود عند المعتزلة غير مقدورين.

فأجابت المعتزله بأن المقدور الذات على صفة الوجود، لا كل واحد منهما منفرداً.

قالت الأشعرية: هذه عبارة لا طائل تحتها، لأن المراد بذلك إما الذات (٣) وحدها، أو الوجود وحده، أو مجموعهما، وليس في العقل قسمةٌ وراء ذلك، وعندكم الأقسام الثلاثة غير مقدورة، فيكون التكليف بتصوُّر القسم الرابع محالاً فضلاً عن التكليف بتحصيله.

ومن المعتزلة من ألجأه هذا الالتزام (٤) بأن المقدور هو الوجود لا الموجود، ويحتاج إلى إقامة برهان قاطع على تغايرهما، وبين أذكياء العقلاء في هذا نزاعٌ كثير، ومباحث غامضة.


(١) لفظة: " تفصيل " لم ترد في (ش).
(٢) في (ش): العدم.
(٣) في (ش): الذوات.
(٤) في (ش): الإلزام.

<<  <  ج: ص:  >  >>