للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكسب أتباع القاضي أبي بكر الباقلاني، وأصحاب ابن تيمية وإمام الحرمين، وما قصدتُ بجميع ما ذكرته إلاَّ نصيحة المسلمين، وبراءة أئمة السنة من نفي الاختيار.

ثم أختِمُ الكلام في هذه المسألة العظمى بما يُؤيِّدُ ما ذكرتُه من براءتهم عن نفي الاختيار بذكر فصلٍ أُورِدُ فيه جُملةً شافيةً مما وقفت عليه من نصوصهم الدالة على تواتر ذلك لاختلاف أهلها بُلداناً وأزماناً وأسباباً (١)، ولا أُمَيِّزُ من هو من الفرقة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة في هذا الفصل، وبالله التوفيق.

فمن ذلك قول صاحب " الخارقة " في أوائلها: خلق الله الفعل (٢) في عبده لا يؤدي إلى الإجبار، كما أن علمه بوجوده ووقوعه في محلٍّ مخصوص ووقتٍ مخصوص لا يؤدي إلى الإجبار، وإلا فما الفرق بين الأمرين، إذ ما عُلِمَ، فلا بُدَّ من وجوده، وما خُلِقَ فلا بد من حدوثه ... إلى قوله: فليت شعري، أي الأمرين أسلم، أنُصَدِّقُ الله تعالى فيما قال، ونَرجِعُ على أنفسنا باللوم والتعيير فيما خالفنا فيه الشريعة؟ أم نقول: نحن مُستَبِدُّون بخلق أفعالنا ولا يقدر الله تعالى على خلق شيء منها؟

إلى قوله: فقد بان أنَّ مقالة المُجْبِرَةِ: إن الإنسان مُجبَرٌ على جميع أفعاله، مُلجَأٌ إليها، مُضطَرٌّ إلى فعلها، وأنه لا فعل له أصلاً، تجويرٌ للبارىء وإبطالٌ للتكليف (٣)، وحَسْمٌ لباب الثواب والعقاب، ومَقالَةُ القدرية تجهيلٌ للبارىء بأمر خلقه، وتعجيزٌ له عن تمام مشيئته فيهم، وكلا الصِّفَتَيْنِ لا تليق بمن وصف نفسه بأنه أحكم الحاكمين، وأقدر القادرين.

فظهر لك أن أهل السنة والجماعة قد سَلَكُوا طريقةً سليمةً من شناعة المقالتين،


(١) في (أ): وإنساناً، وهو تحريف.
(٢) " الفعل " لم ترد في (أ)، وقد أُلحقت في (ش) إلحاقاً بخط مغاير.
(٣) في (أ): التكليف.

<<  <  ج: ص:  >  >>