والمالكية، وأنه قد ادُّعي إجماعُ التابعين على قبوله، وكذلك سوف يأتي إثبات إجماع الصحابة على قبول المتأولين من عشرِ طرق.
قال: الثالثُ أن اتَّصالَ الرواية بكتب الجرح والتعديل متعسِّرةٌ أو متعذِّرة على وجه العدالة الصحيحة.
أقول: السَّيِّد -أيَّده الله- متردِّدٌ متحيِّرٌ ما درى، أهذه الأمور مُتعسِّرةٌ أو مُتعذِّرة؟ فلا يزالُ يكرِّرُ الشكُّ في ذلك، والشاكُّ لا ينبغي له أن يعترض على من ادعى إمكان ما هو شاكٌّ في إمكانه، لأنَّ مِن شَرْطِ مَن جَوَّزَ شيئاً وشكَّ فيه أنْ لا يُكذِّبَ من ادَّعاه، فإنْ قَطَعَ السَّيدُ - أيَّده اللهُ- بتعذُّرِ ذلك سقط التكليفُ به، لأن التكليفَ لا يتعلَّق بما لا يُطاق، وإن جوَّز أنه مقدورٌ، فلا معنى لذكر تعسُّرِ المقدور متى كان واجباً أو مندوباً، كما قدَّمنا ذلك في التنبيهات المتقدمة. والجواب على ما ذكره السَّيِّد من وجوه:
الأول: أن كتب الجرحِ والتعديل مثلُ سائرِ المصنَّفات، فكما إنه يُمْكِنُ سماعُ سائر المصنفات في جميع العلوم، فكذلك يُمكن سماعُ كتب الجرح والتعديل، وليس إضرابُ منْ ليس له رغبة فيها عن سماعها يَدُلُّ على ما توهمه السَّيِّدُ، فإن طلبة علم الحديث في أقطار الإسلام محافظون على سماعها ملازمون لقراءتها، وشيوخُها موجودون في اليمن ومكة ومصر والشام والعراق والغرب، وسائر الأمصار الكبار في المملكة الإسلامية، والناس لا يزالون يخنلفون إلى هذه الأقطار والأمصار لأدنى الأغراض الدنيوية، ومن كان محبّاً للعلم طلبه حيث كان وارتحل في تحصيله إلى أبعد مكان. وقد روى الحاكم في " المستدرك "(١) عن جابر بن عبد الله الصحابي -رضي الله عنه-: أنه سافر
(١) ٢/ ٤٢٧ - ٤٢٨ و٤/ ٤٣٧ - ٤٣٨، وصححه في الموضعين، ووافقه الذهبي مع =