للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّحيحِ، فما لم يذكُرُوه فهو غَيرُ صَحِيحٍ عندَهُم، وما كان غيرَ صحيحٍ عندَهم، وَجَبَ أن نَحْكُمَ بأنَّه غيرُ صَحيح، وذلِكَ لمعرفتهم (١) واطِّلاعِهم. وهذا القولُ في غاية الفَسَادِ، والسيِّد عِزُّ الدِّين -مَتَعَ اللهُ ببقائِهِ المسلمينَ- لا يقولُ بِهِ في غَالِبِ ظَنِّي، وإلاَّ لَزِمَهُ نَفْي " حَيَّ عَلَى خَيْرِ العَمَلِ " في الأذان، وإنَّما حَكيته، لأنِّي كنت أَفْهَمُه مِنْ حيّ الفقيهِ الصَّالحِ المُحَدِّث أحمد بنِ سليمان الأوزريّ رحمه الله فَهْمَاً لا نصَّاً مِنْهُ، وأن ما يَذْهَبُ إليه هذا المفهومُ حكايةً عنْ مَشَايخِهِ مِنْ مُحَدِّثي الفُقَهاءِ.

أقول: كلام السَيِّد جمال الدين في هذه المسألة قد (٢) تقدَّم الجوابُ على أكثَرِهِ، وقد رَأيْتُ أَنْ أذكُرَ مِنْهُ ما تَمَسُّ الحَاجَة إلى ذِكْرِهِ مِنْ دونِ استقصاءٍ، فإنَّ التَّكْرَارَ غَيْرُ مُفيدٍ ولا مَقْصُودٍ، وقد ذَكَرَ السَّيدُ عن المُحَدِّثين ما لم يَذْهَبُوا إِلَيْهِ مِنَ القوْلِ بِضَعْفِ ما ليس في الصِّحاح، وفي الحقيقَةِ أنَّهُ لا يلزَمُ جوابُ كَلَامِ السَّيِّدِ هذا، لَأنَّهُ اعتراضٌ بِمَا لَمْ يَكُنْ، واحتجاجٌ على غَيْرِ خَصْمٍ، ولكنْ لا بدَّ مِنْ ذكرِ إشكالاتٍ يَسِيرَةٍ عَلَى ما ذَكَرَهُ.

الإِشكال الأول: أنَّ المحدِّثينَ قد نصُّوا على عَكْسِ ما ذَكَرَهُ السيد، وظَهَر ذلِكَ عَنْهُم ظُهورَاً لا يكادُ يَخْفى على مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِعِلْم الحديثِ، ومِنَ المشهُورِ المستفيضِ عَنِ البُخارِيِّ أنَّه قال: إنَّه اختارَ حدِيثَه مِنْ مِئَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ صحيحٍ، مَعْ أنَّ صَحيحَه لا يَشْتمِلُ إلاَّ عَلَى قَدْرِ سِتَّة آلافِ حَدِيثٍ (٣)، فَمَنْ نَصَّ على أنَّه أَخْرَجَ سِتَّةَ آلافِ حَدِيثٍ مِنْ مِئَةِ


(١) في (ب): لمعرفته.
(٢) في (ب): وقد.
(٣) كذا قال هنا، وقال في " تنقيح الأنظار " نقلاً عن الحافظ العراقي ١/ ٥٦: إن عدد أحاديثه بالمكرر سبعة آلاف ومئتان وخمسة وسبعون حديثاًً، والصواب أن عددها بالمكرر (٧٥٦٣) حديثاً، كما في فتح الباري الطبعة السلفية، بترقيم المرحوم الأستاذ فؤاد عبد الباقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>