للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلمية، والبراهينِ القطعية، واهماً أني لا أسبحُ إلا في شريعة هذا الفرات، ولا أجري إلا في ميادين هذه العبارات، ولا يدري أني قد أصَبتُ مَحَزَّ (١) الإصابة، ووضعتُ الهِناء (٢) مواضِع النُّقْبِ. ولكل مقام مقالٌ، لا يَلِيقُ سواه بمقتضى الحال. وإنما المجيب يقفو آثارَ مَنِ ابتداه، ويتكلَّم على كلامه (٣) بمقتضاه. فحين يتكلم المبتدىءُ في المواضع الخطابية، والمسالك الجدلية، أغزو مغزاه، وأسْتنُ في مجراه، وحين يتكلَمُ في الأدلة القطعية، والبراهين القوية، أقفو على آثاره، وأعشُو (٤) إلى ضوءِ ناره، وهذا هو حكمُ المجيب. فليس بملومٍ على ذلك، ولا معيب.

وإذْ قدْ عرفت هذه المقدَمة، فلنشرعْ في الجواب على ما تقدم - من كلام السيِّد -أيَّده الله- في تفسير الاجتهاد، ومنع القول بسهولته.

والجواب على ما تقدَّم مِنْ كلامه يَتمُّ بذكر أحدٍ وعشرين تنبيهاً.

التنبيه الأول: في عبارة " السيد " -أيده الله- رَمي لي بقولٍ مستغرَب في تسهيل الاجتهاد، ورأي مستطرَف يُجانِبُ مذاهب النقاد، ولم أعلم لي في ذلك مذهباً غريباً، ولا رأْيأ حديثاً، وأنا أَشْترطُ في الاجتهاد ما يَشْتَرطُهُ غيري من أهلِ المذهبِ (٥) وغيرهِم -كما سيأتي بيان ذلك-. ولا


(١) المحز: هو موضع الحز، يقال: تكلم فأصاب المحَز: إذا تكلم فأقنع.
(٢) الهناء: القطران، والنُّقْب والنُّقَبُ: القطع المتفرقة من الجرب، الواحدة نقبة، وفي شعر دريد بالخنساء:
مُتَبَذِّلاً تبدُو محاسِنُه ... يضعُ الهناءَ مواضِعَ النُّقْب
وفلان يضع الهناء مواضع النقب: إذا كان ماهراً مصيباً.
(٣) في (ب): على آثاره.
(٤) يقال: عشا إلى النار: إذا رآها ليلاً علي بعد فقصدها مستضيئاً بها، قال الحطيئة:
متى تأتِه تعشُو إلى ضوءِ نَارِهِ ... تجدْ خيرَ نارٍ عندَها خيرُ مُوقِد
(٥) أي: المذهب الزيدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>