للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له حاجبٌ عن كلِّ أمرٍ يشينُه ... وليس له عن طالبِ العُرفِ حاجِبُ (١)

فلم يختلف أهل البلاغة أنها تقتضي أن يكون تنكير " حاجب " الأول للتأكيد وتنكير " حاجب " الثاني للتخفيف، لأن تأكيد الأولِ وتخفيف الثاني هو مقتضى المدح والثناء، وكذلك تنكير " إيمان " في الآية يقتضي التخفيف، لأن الآية مسُوقَةٌ لبيان الامتنان على المؤمنين برفع ذرِّيَّتهم إليهم بغير شرطٍ زائدٍ على أن يتبعوهم بإيمان، فلو كان ذلك هو الإيمان الكامل، كان معلوماً من آيات الجزاء على الأعمال، ولم يُناسب قوله: {وما ألتناهم من عَمَلِهِم من شيءٍ} كما هو مُبيَّنٌ في كتب التفسير.

يوضِّحُه أنه لو لم يكن لهم أبٌ في مرتبةٍ أرفع منهم، لم يكونوا من أهلِ هذه الآية، فدلَّ على نُقصان إيمانهم عن إيمان آبائهم، أو عن أعمالهم، وقال الله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُون} [الشعراء: ٢١٥ - ٢١٦].

وقد اضطر الزمخشري والمعتزلة إلى صحة الجمع بين الإيمان وما عدا الشرك من الكبائر في مواضعَ منها في تفسير قوله تعالى: {ولم يلبسوا إيمانهم بِظُلْمٍ} [الأنعام: ٨٢]، فإنهم فسَّروه بالفسق بالكبيرة، ومنعوا مما صح في حديث ابن مسعود أنه الشرك (٢)، وعلَّلُوا ذلك بأن الشرك لا يُجامِعُ الإيمانَ،


(١) البيت من شواهد " التلخيص " ونسبه صاحب " معاهد التنصيص " ١/ ١٢٧ لابن أبي السمط، وأورد له بيتين منها هما:
فتى لا يُبالي المدلجون بنوره ... إلى بابه أن لا تُضيء الكواكبُ
يصُمُّ عن الفحشاء حتى كأنه ... إذا ذكرت في مجلس القوم غائبُ
والحاجب: المانع، والشَين: العيب، والعرف والمعروف: الإحسان والشاهد فيه تنكير.
الحاجب الأول: للتعظيم، والثاني: للتحقير، أي: ليس له حاجب حقير، فكيف بالعظيم.
(٢) أخرج أحمد ١/ ٣٨٧ و٤٢٤ و٤٤٤، والبخاري (٣٢) و (٣٤٢٨) و (٣٤٢٩) و (٤٦٢٩)، ومسلم (١٢٤)، والترمذي (٣٠٦٧) عن ابن مسعود، قال: لما نزلت: {الذين آمنوا ولم يَلْبِسوا إيمانهم بظلم} شق ذلك على المسلمين وقالوا: أينا لا يظلم نفسه، فقال =

<<  <  ج: ص:  >  >>