ثم إني أشرع الآن بعد تقديم هذه المقدمة في المقصود، وهو باب ما جاء في بُشرى هذه الأمة المرحومة في كتاب الله تعالى الذي نزله تعالى تبياناً لكلِّ شيءٍ وهدىً ورحمةً وبُشرى للمسلمين، كما قال تعالى، وكما نبَّه في آياته المحكمة، وتفسيره وسنةِ رسوله - صلى الله عليه وسلم - التي حملت أهلَ السنة على القول بأن مجموعها يفيد تواتُرَ الآحاد، والعلم الضروري بالمراد، وما تكرَّر في كتاب الله تعالى من تخصيص البشرى بالمؤمنين تارةً، وبالمتقين تارةً أخرى، وتخصيص النِّذارة بغيرها، حيث تكون لقطع الأعذار، لا للنجاة، وذلك يبين معنى:{نَذِيرًا لِلْبَشَرِ}[المدثر: ٣٦]، ونحوها من العمومات والآيات الخاصة كثيرة، والمراد عموم المؤمنين، لا كل مؤمن وحده بخصوصه، وقوله:{وبَشِّر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً}[الأحزاب: ٤٥] بعد قوله: {إنا أرسلناك شاهداً ومُبَشِّراً ونذيراً}[الأحزاب: ٤٧]، فبين أنه مبشرٌ للمؤمنين ونذيرٌ لغيرهم، وكذلك قال في سورة مريم [٩٧]: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا}.
ونحوها آية الأعراف [١ - ٢]: {المص (١) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِين}، لأنها دالة على أن النِّذارة لغيرهم.