للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قوله: إنه صح إسلام يزيد، ولم يصح قتله الحسين، ولا أمره بذلك، ولا رضاه به، وقوله: إن من زعم أنه يعلم ذلك، فينبغي أن نعلم به (١) غاية حمقه إلى آخر ما ذكره في هذا المعنى.

فالجواب عليه من وجوه:

الوجه الأول: أنه أما أن يزيد أنا لم نطلع على ما في قلبه من ذلك، فصحيح، لأن أمر السرائر إلى الله تعالى، ولكن إذا كان المرجعُ إلى السرائر، فلم يصح إسلام يزيد أيضاً، لأنا لم نطلع على ما في قلبه من ذلك، فما بالُ إسلامه صح، وإن لم نطلع على ما في قلبه، ورضاه بقتل الحسين لم يصح لسبب هذه العلة، وإن أراد أنه لم يظهر من يزيد الرضا بقتل الحسين عليه السلام في ظاهر أحواله، فذلك عنادٌ واضح أو جهلٌ فاضح، فيزيد ناصبيٌّ عدوٌّ لعلي وأولاده عليهم السلام، مُظهرٌ لعداوتهم، مظهر لسبِّهم (٢) ولعنهم من على رؤوس المنابر، ناصبٌ للحرب بينه وبين من عاصره منهم، ومن جَهِلَ هذا، فهو معدودٌ من جملة العامة الذين لم يعرفوا أخبار الناس، ولا طالعوا تواريخ الإسلام، وما أحسن البيت:

والشمس إن خَفِيتْ على ذي مُقْلَةٍ ... نصفَ النهار فذاك محصولُ العمى

فكيف يقال: إنه لم يظهر منه الرضا بذلك، وقد جاؤوا إلى حضرته برأسِ الحسين عليه السلام على عودٍ مغبّراً مُشَوَّهاً مُقَوَّراً متقربين إليه بذلك، مظهرين للمَسرَّة به، فتكلم بأقبح الكلام في حق الحسين عليه السلام، كما نقل ذلك أشياخ أهل النقل كأبي عبد الله الحاكم والبيهقي وموفق الدين ابن أحمد الخوارزمي وغيرهم، كما تقدمت إليه الإشارة (٣)، وكيف لا نعلم رضاه بذلك، وإن سكت، أتحسب أن قاتليه قد اختلَّت عقولهم حتَّى يفعلوا ذلك من غير أمره


(١) " به " ساقطة من (ش).
(٢) في (ف): " معلن لسبهم "، وفي (ش): " مظهر معين لسبهم ".
(٣) انظر ص ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>