للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتارة يأتي "بلو" الدالة على الشرط، كقوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [النساء: ٦٦].

وبالجملة: فالقرآن من أوله إلى آخره صريحٌ (١) في ترتب (٢) الجزاء بالخير والشر والأحكام الكونية والأمرية على الأسباب، بل ترتب أحكام الدنيا والآخرة ومصالحهما ومفاسدهما على الأسباب والأعمال.

ومن فَقِهَ (٣) هذه (٤) المسألة وتأملها حق التأمل، انتفع بها غاية النفع، ولم يتَّكِل على القدر جهلاً منه وعجزاً وتفريطاً وإضاعةً، فيكون توكُّله عجزاً، وعجزه توكلاً، بل الفقيه، كل الفقيه الذي يَرُدُّ القدر بالقدر، ويدفع القدر بالقدر، ويُعارضُ القدر بالقدر، بل لا يمكن لإنسان أن يعيش إلاَّ بذلك، فإن الجوع والعطش والبرد وأنواع المخاوف والمحاذير هي من القدر، والخلق كلهم ساعون في دفع هذا القدر بالقدر.

وهكذا من وفقه الله وألهمه رشده، يدفع قدر العقوبة الأخروية بقدر التوبة والإيمان والأعمال الصالحة.

فهذا وِزان (٥) القدر المخوف في الدنيا وما يُضاده سواء، فَرَبُّ الدارين واحدٌ، وحكمته واحدةٌ، لا يناقض بعضها بعضاً، ولا يُبطِلُ بعضها بعضاً.

فهذه المسألة من أشرف المسائل لمن عرف قدرها، ورعاها حق رعايتها، والله المستعان. انتهى بحروفه.

وللغزالي في " الإحياء " (٦) معنى هذا بأخصر منه، وهو كلام مشهورٌ ذكره في فائدة الدعاء مع القدر، فقال ما لفظه: فإن قلت: فما فائدة الدعاء والقضاء لا


(١) في (أ) و (ش). " مصرح ".
(٢) في (أ) و (ش): " ترتيب ".
(٣) في " الجواب الكافي ": " تفقه ".
(٤) في (ف): " في هذه ".
(٥) في (ش): دون، وهو خطأ.
(٦) ١/ ٣٢٨ - ٣٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>