للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: الوجه أن يكون الفعل المنفي والمثبت جميعاً موجَّهين إلى قوله: {لِمَنْ يَشَاءُ}، كأنه قيل: إن الله لا يغفر لمن يشاء الشرك، ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك، على أن المراد بالأول من لم يتُبْ، وبالثاني: من تابَ، ونظيره قولُك: إن الأمير لا يبذُلُ الدينار، ويبذل القنطار لمن يشاء، يريد: لا يبذل الدينار لمن لا يستأهله، ويبذل القنطار لمن يستأهله. انتهى بحروفه.

ولو كان ممن لا يعرف العربية والمعاني والبيان لَعيبَ عليه هذا، كيفَ وهو من أئمةِ هذا العلم بلا خلافٍ!.

ولنتكلمْ على إيضاح غَلَطِه الذي لا يخفى على من هو دونه في تأويله وتمثيله.

أمَّا تأويله: فالجواب عليه من وجوه:

الوجه الأول: أن محصول كلامه أنه لا فَرْقَ بين الشرك وغيره في هذه الآية، فإن الشرك لا يُغْفَرُ إلاَّ مع التوبة، وكذلك ما دونه، وهما كلاهما لا يُغفران من غير توبة، وهذا حاصلُ كلامه على ما نُقرره.

والآية قاضيةٌ بالتفرقة بين الشرك وما دونه كما يقضي بذلك كلُّ ذَوْقٍ سليم، وفهم مستقيم، ولو كانت كما زَعَمَ لكان صواب التعبير عن ذلك عند كُلِّ من يعرفُ لسان العرب: إنَّ الله لا يغفر لمن لا يتوب، ويغفر لمن يتوب، أو: إن الله يغفر لمن يشاء، ويعذِّب من يشاء، كما قال في غير آيةٍ من دونِ فرقٍ بين الشرك وغيره، ألا ترى كيف قال سبحانه حيث أراد المغفرة بالتوبة: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: ٥٣]، ولم يُفَرِّقْ بين شركٍ وغيره، ولذلك قال بعدها لرفع الالتباس: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَاب} [الزمر: ٥٤]، فلمَّا فرَّق بين الشرك وما دونه في المغفرة لم يكن ذلك موجهاً إلاَّ إلى التوبة، ولذلك قال أهل التفسير: إن هذه الآية في مغفرة الآخرة بالتفَضُّلِ، وتلكَ في مغفرة

<<  <  ج: ص:  >  >>