هذه الطائفة الأولى كما ترد عليهم المعتزلة، وكما يرد بعض المعتزلة على بعضٍ في تفاصيل مذاهبهم.
والمختار عندي من مذاهب أهل السنة ما درج عليه السلف، ولزمه أهل الحديث والأثر من اتباع السنن، ولُزُومُ مناهج الأنبياء والأولياء، وترك رد الشرائع المعلومة عن المعصومين إلى ما يلائم خيالات الأذكياء المتكاذبين، وظنون العقلاء المتخالفين.
وكيف يرد الأقوى إلى الأضعف، ومن لم يعترف بعلو مرتبة الأنبياء على الأذكياء، فما أنصف، وكفى فارقاً بينهم بعد ما خصَّهم الله تعالى به من المعجزات شدة الاختلاف بين الأذكياء التي تستلزم بالضرورة جهل بعضهم، كما يمنع بالضرورة علم جميعهم، فما اختلف في القطعيات عالمان قط، ولا يصح الاختلاف إلاَّ بين جاهلين، أو بين عالمٍ وجاهل إلاَّ ما كان مراداً لله تعالى مثل اختلاف سليمان وداود عليهما السلام، وسائر المجتهدين في الفروع، والله أعلم.
وقد عصم الله رسله الكرام عن هذه النقيصة، فما زالت كلمتهم واحدة، الأول يُبَشِّرُ بالآخر، والآخر يوجب الإيمان بالأول، وسيأتي طَرَفٌ من حجة هذه الفرقة عند ذكر ما يروى منه، وبيان القدر القوي الجَلِيِّ من مذهبهم.
وأما تكفير المعتزلة لهم، فإن رده هو مقصود كتابي هذا، وقد احتج من زعمه بأمورٍ مدارها على أنهم قد نسبوا القبائح إلى الله تعالى لقولهم بمشاركته سبحانه لعباده في فعلها، وما قبح من العباد من العقليات قَبُحَ من الله تعالى عند المعتزلة.
والجواب عليهم من وجوهٍ:
الوجه الأول: أن نقول: ما مُرادُكم بأن نسبة القبيح إليه تعالى كفرٌ؟ هل نِسبَتُه ممن يعتقد قُبحه أو لا؟ الأول: مُسَلَّم ولا يَضُرُّ تسليمه، لأنهم يعتقدون