للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثالثها: التحذيرُ من طرائق المبتدعة، وتقديمهم الرأي على الآثار في هذه القاعدة العظمى.

الفائدة الثانية: في ذكر ما قاله العلماء وأهل اللغة في تفسير القدر والقضاء على اختلاف مذاهبهم وأدلتهم وأفهامهم.

قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في " عارضة الأحوذي في شرح الترمذي " (١) ما لفظه: لم يَتَّفِقْ لي وجدان البيان للقدر (٢) على التحقيق، فتكلفتُه حتى دفع الله تعالى بفضله عني كُلفتَه، وحقيقته وجودٌ في وقتٍ واحد، وعلى حالٍ يُوافق العلم والإرادة والقول عن القدرة، فصارت القاف والدال والراء تدل بوضعها على القُدرة والمقدور الكائن بالعلم، ويتضمَّن الإرادة عقلاً والقول نقلاً.

قلت: وكلامه هذا لا يخلو من تساهُلٍ في العبارة، فإنه جعل القدر مشروطاً بموافقة مجموع العلم والإرادة والقول، ولم يدل على ذلك دليلٌ، وموافقةُ أحدها يكفي في تسمية الموجود المتأخر مقدَّراً مقدوراً، وتسمية السابق لها قدراً أيضاً، فإنه لا معنى لكون الحادث مقدَّراً بقَدَرٍ سابقٍ إلاَّ مطابقته في الوجود، وصفاته سابقةٌ له متعلقة (٣) به تعلُّقاً صحيحاً يستلزم فرض بطلانه المحال.

وسواءٌ كان ذلك السابق علم الله وحده، أو قوله أو كتابته، أو إرادته أو غير ذلك، لأنه ترك ذكره للكتابة والتيسير، وقد ورد ما يقتضي تسميتها قَدَراً، كالقولِ -كما يأتي- في أحاديث الأقدار، بل في القرآن الكريم.

وأيضاً فإنه جعل الوجود هو القدر، وهو المُقَدَّر، وإنما القدر السابق هو


(١) ٨/ ٢٩٤ - ٢٩٥.
(٢) في الأصلين: " وجدان القدر " والمثبت من شرح ابن العربي.
(٣) في الأصلين: " سابق له متعلق به " والجادة ما أثبت.

<<  <  ج: ص:  >  >>