للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثانيهما: أن ذلك لم يصح، فقد بينا أن المختار أن تأويل المتشابه لا يعلمه إلاَّ الله، وإنما شرطنا أن نذكر العلل المنصوصة سمعاً، والجلية عقلاً.

فصل:

ومن ذلك تقديرُ الشر الدائم الذي لا ينقطع مثل عذاب النار والخلود فيها -نعوذ بالله ورحمته التي وَسِعَتْ كل شيء من ذلك- وها هنا اشتد الاضطراب، وتفاقم الخَطْبُ على النُّظَّار، وتَبَلَّدَ الأذكياء منهم، وتفرقوا أيادي سَبَا (١)، ونقضوا قواعدهم، وخالفوا معارفهم، وكاد كثيرٌ منهم يلحق بأهل التجاهل إلاَّ من عصمه الله تعالى بحسن الإسلام، وقوة اليقين، وعدم التهمة لأرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين، وأكرم الأكرمين.

فأما كلام الفلاسفة والزنادقة في ذلك، فهم فيه ممن قال الله فيه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (٨) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ


= بعدم ثبوته نقلاً، لكن يقول: إنه ثابت كشفاً، وقد نص على ذلك الشيخ الأكبر في الباب المذكور، والتصحيح الكشفي شنشنة لهم.
(١) هو مثلٌ يقال للقوم إذا تفرقوا في جهات مختلفة، أى: فرقتهم طرقهم التي سلكوها كما تفرق أهل سبأ في مذاهب شتى.
وسبأ: هو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقيل: اسم بلدة كانت تسكنها بلقيس.
قال في " تاج العروس " يكتب بالألف، لأن أصله الهمز، قاله أبو علي القالي في " الممدود والمقصور "، وقال الأزهري: العرب لا تهمز " سبأ " في هذا الموضع، لأنه كثر في كلامهم فاستثقلوا فيه الهمز، وإن كان أصله مهموزاً. ضرب المثل بهم، لأنه لما أشرف مكانهم على الغرق، وقرب ذهاب جناتهم قبل أن يدهمهم السيل، تبددوا في البلاد فلحق الأزد بعمان، وخزاعة ببطن مرّ، وهو مر الظهران المسمى الآن بوادي فاطمة قرب مكة، والأوس والخزرج بيثرب، وآل جفنة بأرض الشام، وآل جذيمة الأبرش بالعراق، وقوله: أيدي سبأ، أي: متفرقين، واليد: الطريق. وانظر " المستقصى " ١/ ٨٨ - ٩٠ و" مجمع الأمثال " ١/ ٢٧٥ - ٢٧٧، و" زهر الأكم " ٣/ ١٦ - ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>