الوجه الثامن: أن الملائكةَ والأنبياء قد أَمِنُوا مِن الموت على الكفر الدي تخافه المرجئةُ، وهم مع ذلك أخوفُ الخلق لله فدل ذلك على أنَّ الخوفَ ليس موقوفاً على ظنِّ الخائف أن الله يعذِّبُه في الآخرة، ولا على تجويزه لذلك، وقد قال تعالى في الملائكة عليهم السلام:{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِم}[النحل: ٥٠]، وقال:{وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُون}[الأنبياء: ٢٨].
الوجه التاسع: أن نقولَ: الدواعي إلى الصِّدق في الحديث خاصة أكثر، والصوارفُ عن الكذب فيه أكبر، فقد رأينا الفُسَّاقَ المصرحين يمضي عُمُر أحدِهم ولم يكذب فيه على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وتقديرُ وجود الداعي الغالب لوازع الشرع الماحي لآثار الحياءِ من الله تعالى نادرُ الوقوع في الزمان، نادرُ الوقوع في الأشخاص، والنادرُ غيرُ معتبر بدليل أنَّه مرجوح، والصدق راجح، وتقديمُ الراجح على المرجوح، والمساواة بينهما على خلاف المعقول، ولا موجبَ لترك دليل المعقول من المنقول.
الوجه العاشر: لو كان اعتقادُهم أن الله يغفرُ حاملاً على المعصية قطعاَّ، لوجب أن يكون اعتقادُ أنَّ الله يُعَذِّبُ مَنْ لم يتب موجباً لتركِ المعاصي قطعاً كافياً في العدالة، فيكون مَنِ اعتقد أن الله لا يغفِرُ إلا بالتوبة، فهو عدلٌ لا يحتاج إلى تعديل ولا خِبرة، ومنِ اعتقد أن الله يغفِرُ من دون توبة، فهو مجروح من غير جارح ولا خِبرة، بل بمجرَّدِ اعتقادهما يثبت لذلك العدالة ولهذا الجرح، فكما أنَّ ذلك لا يصِحُّ التعديل به في الوعيدي، فكذلك لا يَصحُّ الجرحُ به في المرجىء، فكما أنا نَجِدُ في الوعيدية عاصياً، فكذلك نَجِدُ في المرجئة مطيعاً، بل الوعيدي العاصي هو الذي وجود الذنب منه أقبح وإصرارُه عليه للجرح أصلحُ ولذلك قيل: