للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعنى، وبلوغ الغاية القصوى في ذلك.

ومنه جاء ذكر يمينه في القرآن دون شماله، وفي الحديث: " كِلتا يديه يمينٌ " (١)، ولم نُرِدْ بتجَنُّب هذا الاسم في الأسماء الحسنى ما أراد من نفي سبق المقادير، أو ضعف مشيئة من هو على كل شيء قدير، وإنما أردنا أنه لا يصح اشتقاق هذا الاسم له من تلك المقدورات (٢) المخلوقات الضارة لحكمته فيها البالغة، وإرادته فيها ما لا نعلمه من المنافع والعدل والدفع واللطف والاعتبار، كما أن الطبيب مع قطعه بعض الأعضاء، وكَيِّهِ بالنار لبعضها، لا يسمى ضاراً للأليم بالإجماع، فكذلك أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين. ألا تراه خلق الظلمات والنور جميعاًً، ويُسَمَّى النور لا الظلام، وخلق الشرَّ ولا يُسمَّى الشِّرِّيرَ (٣)، ونحو ذلك.

وكذلك اسم الضارِّ مع عدم الاتفاق على صحة وُرُودِ ذلك في السمع، فتأمل ذلك، واحذر كل الحذر من ظنِّك أنا قلنا (٤): إن الله ليس بخالقٍ للضرِّ ولا مريدٍ ولا مُقدِّرٍ، وإنما قلنا: إنه خلقه ليُسَمَّى بسببه كاشف الضر، والنافع الدافع له. ألا ترى أن الحُمَّى حَظُّ المؤمن من النار، والحدود كفارات لأهلها مع تسمية الله لها نَكالاً وعقاباً، والكافر يُلْقَى في النار فِداءً للمسلم، ويُقتَلُ في الدنيا ليَشْفِيَ الله صدورَ قومٍ مؤمنين ويُذهِبَ غيظ قلوبهم.

وقد بُسِطَ هذا في الحكمة في عذاب الكفار في الآخرة.

وأما قول الغزالي في شرح هذا الاسم في " المقصد الأسنى " (٥): فلا تظنَّنَّ


(١) حديث صحيح، أخرجه أحمد ٢/ ١٦٠، ومسلم (١٨٢٧)، والنسائي ٨/ ٢٢١، والبيهقي في " الأسماء والصفات " ص ٣٢٤ من حديث عبد الله بن عمرو رفعه " إن المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولُوا ".
(٢) في (أ): المقدرات.
(٣) في (ش): الشر.
(٤) في (ش): نريد.
(٥) ص ١٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>