للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بخلاف سائر الكبائر، ونسوا قاعدتهم في الوعيد، وهي أن الإيمان لا يُجامِعُ شيئاً من الكبائر، والحق أن الإيمان المذكور هنا هو اللُّغويُّ، وهو يُجامِعُ الشرك والكبائر. قال الله تعالى فيه: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: ١٠٦]، فردُّهُم للحديث الصحيح هنا غلطٌ فاحشٌ، والله أعلم.

ومنها: {ولا تَنْكِحُوا المُشركاتِ حتَّى يُؤمِنَّ} [البقرة: ٢٢١]، وغير ذلك، وقال تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: ١٥٨]، ففرق بين الإيمان وكسب الخير فيه.

وأما معناها، فقد وهِمَ الزمخشري أنها تردُّ مذهب أهلِ السنة في الرجاء، فقال ما لفظه (١): المعنى أن أشراط الساعة إذا جاءت، وهي آيات ملجئةٌ مضطرة، ذهب أوان التكليف عندها، فلم ينفع الإيمان حينئذٍ نفساً غير مقدِّمَةٍ إيمانها من قبل ظهور الآيات أو مقدِّمة إيمانها، غير كاسبةٍ خيراً في إيمانها (٢) فلم يفرق -كما ترى- بين النفس الكافرة إذا آمنت في وقته، ولم تكسِب خيراً، ليعلم أن قوله: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} جمع بين قرينتين لا تنفكُّ إحداهما عن الأُخرى، حتى يفوزَ صاحبها ويسعَدَ، وإلا فالشِّقْوةُ والهلاك.

والجواب أن الشيخ غفلَ غفلةً عظيمةً، وهي إن شاء الله من قبيل النسيان لا من قبيل الخطأ وذلك من وجهين:

أحدهما: أن الإيمان بعد الكفر مقبولٌ بل مكفِّرٌ لذنبِ الكفر بمجرده قبل الأعمال كلها بإجماع المسلمين: المعتزلة وغيرهم، كإيمان الأصمِّ، ومن مات قبل العمل، وهذا ينقُضُ ما اعتقده من بُطلان هذه القاعدة على الإطلاق، وإذا أمكنه أن يُخَصِّصَ هذه الصورة بدليلٍ منفصلٍ، أمكن غيره تخصيص المؤمنين


= رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ليس ذلك، إنما هو الشرك. ألم تسمعوا قول لقمان لابنه: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: ١٣]. وانظر ابن حبان (٢٥٣).
(١) ٢/ ٦٣ - ٦٤.
(٢) " في إيمانها " ساقطة من (ف).

<<  <  ج: ص:  >  >>