للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى الطبراني من طريق الفضل بن عيسى الرقاشي في " أوسط معاجمه " (١) عن الحسن أيضاً قال: خطبنا أبو هريرة على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لَيَعْذِرَنَّ الله تعالى يوم القيامة إلى آدم ثلاث معاذير، يقول الله تعالى: يا آدم لولا أني لعنت الكاذبين، وأبغضت الكذب والخُلْف، وأوعدتُ عليه لرحِمْتُ اليوم ولدَكَ أجمعين من شِدَّة ما أعددت (٢) لهم من العذاب، ولكن حق القول مني لِئِنْ كُذِّبَتْ رُسُلي، وعُصِيَ أمري لأملانَّ جهنم من الجنة والناس أجمعين، ويقول الله عز وجل: يا آدم، لا أُدخِلُ النار أحداً، ولا أعَذِّب منهم أحداً إلاَّ من (٣) علمت بعلمي أني لو رددته إلى الدنيا، لعاد إلى أشرِّ ما كان فيه، لم يرجع ولم يَعْتَبْ، ويقول الله تعالى عز وجل: يا آدم قد جعلتك حكماً بيني وبين ذُريتك، قُم عند الميزان فانظر ما يُرفعُ إليك من أعمالهم، فمن رَجَحَ منهم خيره شره مثقال ذرَّةٍ، فله الجنة حتى تعلم أني لا أُدخلُ النار منهم إلاَّ ظالماً ".

ويأتي حديث أنس وأبي هريرة في هذا المعنى، وكلاهما في الصحيح، فقد أعدَّ الله تعالى بعد علمه الحق بحكمته الراجحة في العذاب لهذه المعاذير الباطلة ما يُقابِلُها من أعذار الحق والحُجج الصحيحة، وذلك لحكمته البالغة، وكمال عَدْله في الباطن والظاهر، فالباطق بعلمه الحق، والظاهر بقدره الحق.

فقد ذَكَرَ أهل اللغة أن المُعتَذِرَ يكون مُحقاً وغير مُحقٍّ، ممن ذكره ابن الأثير في " نهايته " (٤) فعلى هذا كل عذر من الله فهو حق، وكل عذر من الخلق، فقد يكون حَقّاً، وقد يكون باطلاً، فتلخَّص أن يكون لله تعالى في عذاب المستحقين حجتان، ويحتمل أن كُلَّ واحدةٍ (٥) منهما محسنة للعذاب، ولكن الجمع بينهما أقوى في التحسين وأولى.


(١) ذكره الهيثمي في " المجمع " ١٠/ ٣٤٧ - ٣٤٨ وقال: وفيه الفضل بن عيسى الرقاشي، وهو كذاب.
(٢) في (ش): ما أعتدت.
(٣) في (أ): لمن.
(٤) ٣/ ١٩٧.
(٥) في الأصلين: " واحد "، والجادة ما أثبت.

<<  <  ج: ص:  >  >>