وكذلك الشيخ أحمدُ بن محمد بن الحسن الرَّصاص، فإنه ذكر في كتاب " الشجرة " في الفقه قريباً من ذلك من المجتهدين، وعدَّهم بأعيانهم، وهذه الرواية أولى من رواية الغزالي لوجوه.
الوجه الأول: أنها مُثْبِتَةٌ، وروايةُ الغزالي نافية.
الثاني: أن هذا الحافظ مِن أهل المعرفة بالحديث والدِّرية بكتُب الرِّجال، والعنايةِ التامةِ بمعرفة أحوالِ الصَّحَابة، وعلمِ التاريخ، والغزاليُّ بالعكس في ذلك، وهذا الوَجْهُ مجمعٌ على الترجيحِ به، ومن أراد معرفةَ ذلك، طالع تراجمَهُما في كتب معرفةِ الرجال.
الثالث: أنَّ تصديقَ الغزالي في ذلك يُؤدي إلى جرحِ عددٍ كبيرٍ من الصحابة، وأنهم أَفْتَوْا بغيرِ علم، وهذه معصية ظاهرة، ونحن نَعْلَم أنَّه لا طريقَ للغزالي إِلى القطع بأن ذلك الصحابي المُقْدِمَ على الفتوى أفتى بمحضِ الجهلِ، لأنه يجوزُ أن يكونَ مجتهداً، ولم يشتهِرْ اجتهادُه إذ لا يَجِبُ عليه أن يظْهِرَ إجتهادَه، وفي الصحابة مَنْ هو أعلمُ منه، ولا يجب على غيره أن يتعرَّف اجتهادَه أيضاًً، وفي الصحابة من يُغني عنه، فجاز أن يكون مجتهداً غيرَ معلوم باجتهاده، أقصى ما في الباب أن يكونَ مجتهداً في تلك المسألة، وقد أمرنا بالحمل على السَّلامَةِ لجميع المسلمين، فَكَيْفَ بخير أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للناسِ بنصِّ القرآن، وَخَيْرِ القُرُونِ بنصِّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟
الطريق السادسة: أن نقولَ ليس قِلَّة مَنْ فيهم من المجتهدين على تقديرِ تسليم ذلك يَدُلُّ على صعوبة الاجتهاد فقد كان حُفَّاظُ القرآن فيهم أقلَّ مِن المجتهدين، فَرُوِيَ أنه لم يكن يَحْفَظُ القرآنَ إلاَّ أربعةٌ منهم قاله بعضُ