للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكمة الله تعالى ظاهراً وباطناً كما سيأتي بيانه مطوَّلاً مستقصىً.

وإنما حكمة الله تعالى في الدنيا ما نصَّ عليه تعالى في كتابه من إقامة حجته وعدله عند العقاب، وظهور رحمته وفضله قبل ذلك، وغير ذلك من تمييز الخبيث من الطيب، وبلوى خلقه أيُّهم أحسن عملاً، ونصر المؤمنين، والانتقام للمظلومين، وما (١) لا يعلمه إلا هو كما يأتي قريباً إن شاء الله تعالى.

وقد عَلَّلَ الربُّ تعالى تركه بسط الرزق لكونه مفسدة لجميع المخلوقين عُموماً، فثبت أنه تعالى لا يفعل مفسدةً لهم، وأن أفعاله معلَّلَةٌ بالمصالح وإن خَفِيَتْ علينا كما سيأتي مبسوطاً.

وربما استقبحوا هذه العبارة، فقالوا: إنما خلقهم ليعرضهم لذلك لا سوى، لا ليدخلوا الجنة، فيلزمُهم مذهبُ أهل السنة في امتناع تعلُّق الإرادة بما (٢) علم الله أنه لا يقع، إذ لا قُبْحَ في إرادة الإحسان إليهم بدخول الجنة، وإثابتهم بها عند استحقاقهم ذلك، واستجماع شرائط حسنةٍ كما يحسُنُ منه ذلك في خلق من عَلِمَ أنه يؤمن ويدخُلُها، ولا قُبْحَ في إرادة ذلك.

وإنما يمتنع ذلك (٣) حيث يصادم العلم الإرادة، وقد غَلِطَ من ظَن (٤) تقدُّم الإرادة لذلك من قبيل تعظيم من لا يستحق التعظيم، لأن إرادة المقدمات فرع إرادة ما هي وسيلة إليه.

ولذلك قيل: أول الفكرة آخر العمل، على أن التعريض لو سُلِّم أنه المراد، لما كان مُراداً لنفسه كما زعم المعتذر (٥) بذلك منهم، وإلا لما وَجَبَ اللطفُ، ولا قَبُحَتِ المفسدة، ولا حَسُنَ العقاب خصوصاً حيث لا ثمرة له تعودُ عليهم بالصلاح، كعقاب الآخرة الدائم، إنَّ التعريض قد حَصَلَ، ولا يستحقُّ العقابُ عقلاً بتركه.


(١) في الأصلين: ولما.
(٢) في (ش): لما.
(٣) في (ش): من ذلك.
(٤) ساقطة من (ش).
(٥) في (ش): " المعتزل "، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>