للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلاف بين أهل السنة والمعتزلة، ولم يتحقق من اختلافهم في سائر المراتب الثلاث الماضية ولا فيما يأتي الآن في المرتبة الخامسة ما يوجب التنافي الكثير، فإن المعتزلة تُقِرُّ بأن الله خيَّرَ (١) الخلق على التكليف الاختياري، وهي المرتبة الأولى.

وتُقِرُّ بالقضاء والقدر بمعنى العلم والكتابة، وأن ما علمه الله لم يقع سواه قطعاً، وهذه المرتبة الرابعة.

وتقر بأن ما دعا إليه الداعي الراجح، وقع قطعاً، وهذه المرتبة الثالثة.

ويأتي في المرتبة الخامسة إقرار أهل السنة أجمعين أن العبد مختارٌ في فعله حتى في قول غُلاتِهم في الجَبْرِ.

فوضح لك أن حقيقة اختلافهم إنما هو في مسألة الإرادة، وإنما بَيَّنْتُ لك هذا لِتَخُصَّها بفضل التأمل التام، والنظر الصحيح، وتضرع إلى الله أن يَهْدِيَك إلى المنهج القويم والصراط المستقيم، فإنه سبحانه كما قال في كتابه: {لَطيفٌ لِما يَشاءُ} [يوسف: ١٠٠]، و {يُؤْتي الحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ} [المدثر: ٣١]، و {يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ} [فاطر: ٨]، و {بيدِهِ الملكُ وهو على كُلِّ شَيْءٍ قديرٌ} [الملك: ١]، و {بِكُلِّ شَيْءٍ بَصيرٌ} [الملك: ١٩].

وأما شُبَهُ المعتزلة السمعية في هذه المسألة، فهي ضعيفة جداً، وجوابُها يظهر بأدنى تأمُّلٍ بحمد الله تعالى، وهي أنواعٌ.

النوع الأول منها وهو أهمُّها: ما حكاه الله تعالى عن المشركين من تعرُّضِهم لإفحام الرسل كما تعرَّضت المعتزلة لإلزام أهل السنة ذلك بقولهم: إن مشيئة الله نافذةٌ، وقد سبقهم المشركون إلى الاحتجاج بذلك على الله


(١) تحرفت في (ش) إلى: أجبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>