... وكان الشيخ أبيض، أسود الرأس واللحية، قليل الشيب، كأن عينيه لسانان ناطقان، رَبْعَة من الرجال، بعيد ما بين المنكبين، جهوري الصوت، فصيحاً، سريع القراءة، تعتريه حدة، ثم يقهرها بحلم وصفح، وإليه كان المنتهى في فرط الشجاعة والسماحة وقوة الذكاء، ولم أر مثله في ابتهاله واستعانته بالله، وكثرة توجهه. وقد تعبت بين الفريقين، فأنا عند محبه مقصر، وعند عدوه مسرف مكثر، كلا والله. توفي إلى رحمة الله معتقلاً بقلعة دمشق بقاعة بها بعد مرض جدّ أياماً في ليلة الاثنين العشرين من ذي القعدة سنة ثمانٍ وعشرين وسبع مئة، وصُلي عليه بجامع دمشق عقيب الظهر، وامتلأ الجامع بالمصلين كهيئة يوم الجمعة حتى خرج الناس لتشييعه من أربعة أبواب البلد، وأقل ما قيل في عدد من شهده خمسون ألفاً، وقيل أكثر من ذلك، وحمل على الرؤوس إلى مقابر الصوفية، ودُفن إلى جانب أخيه الإمام شرف الدين رحمهما الله تعالى وإيانا. وقد صنف جماعة من الفضلاء له تراجم مطولة، ورُثي بقصائد كثيرة، انتهى. وللذهبي له ترجمة مختصره مجودة في " تذكرة الحفاظ " ٤/ ١٤٩٦، والحمد لله وحده.