فهذان وأمثالهُما مِن رواية ثقات الشيعة، وما تقدَّم من رواية ثقات أهلِ الحديث يدل على اتفاق ثقاتِ النَّقَلَة من الفريقين على نقل ما يَدُلُّ على ثقة أبي هُريرة، وجلالتِه، فقد صحَّ بالنَّقْلِ والعقْلِ أن كلمةَ الحقِّ عند سلاطين الجَوْرِ أفضلُ الجهاد، فاعْرِفْ ذلك.
الوجه الرابع: أن الاختلافَ في ذلك إنما هو على أبي بكر بن عبد الرحمان شيخِ سُميٍّ والزُّهريِّ في الحديث كما يَعْرِفُ ذلك أهلُ هذا الشأنِ، لا على أبي هُريرة، وقد غَلِطَ مَنْ نسبه إليه غلطاً فاحشاً، وذلك مِن عَدَمِ البصرِ بعلم الأثرِ، وَمَنْ عَرَفَ صنعتَهم في جَمْعِ الطُّرُقِ لأجل معرفة مَنْ وقع منه الاختلافُ مِن الرُّواة، لم يَشُكَّ في ذلك، كما بيَّنه النسائيُّ في " سننه الكبرى " في هذا الحديثِ بخصوصه، وفي " سننه الصغرى " في غالب الأحاديث المختَلفِ فيها.
بيان ذلك أنَّ مدارَ الحديث على عبدِ الرحمان بن الحارث بن هشام ابن المغيرة المخزومي وعلى ولده أبي بكر، والرواية الصحيحة المشهورة فيه أن أبا هريرة أحالَ بذلك على الفضل بنِ العباس كذلك رواه البخاري في كتاب الصوم عن سُمَيٍّ والزهري معاً عن أبي بكر بن عبد الرحمان، وكذلك رواه مسلم فيه أيضاً عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمان أنه الفضل فهؤلاء ثلاثة نبلاء ثقاتٌ اتفق الجماعةُ على الاحتجاج بهم، قالُوا: كُلُّهُمْ عن أبي بكر أنَّه قال: إِنه الفضلُ، وُيقوي ذلك أنَّ النسائي روى ذلك مِن طريق أخرى ليس فيها اختلافٌ ولا اضطرابٌ، وهي طريقُ محمد بن عمرو، عن يحيى بنِ عبد الرحمان بن حاطب، وهو ثقةٌ رفيعُ القدر، وهذه غيرُ طريق أبي بكر ووالده عبدِ الرحمان، فصارت أربعَ طرقٍ مجتمعةً متعاضدةً على أن الواسِطَةَ الفضلُ بن العباس، وأما أسامةُ بن زيد، فلم يذكره أحدٌ قط إلا عمرُ بنُ أبي بكر بن عبد الرحمان، عن أبيه أبي بكر