للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الرازي (١): المنهي عنه عند المحققين الرضا بما عليه الظلمة من الظلم، وتحسينه لهم، أو لغيرهم، فأمَّا مداخلتهم لدفع ضررٍ، أو اجتلابِ منفعةٍ عاجلةٍ، فغير داخلٍ في الركون. انتهى بحروفه.

الفائدة الأولى: في حكم مخالطة السلاطين في نفسها (٢).

واعلم أن مخالطتهم أقسامٌ:

القسم الأول: المخالطة لمجرد التناول مما في أيديهم من بيوت الأموال، وحقوق المسلمين، فهذا نقصٌ من مرتبة الزَّهادة، وشَيْن في أهلِ العلم والعبادة، ولكنه لا ينحَطُّ إلى مرتبة التحريم، فإن حُبَّ الدنيا، وإن كان مذموماً على الإطلاق، لكنه يختلف، فمنه حرامٌ، ومنه حلالٌ، فالحرام منه هو حب الحرام من الدنيا، والإضراب عن الدين، وأهل هذا، هُمُ الذين ذمَّهم الله تعالى قي القرآن، وحيث يَرِدُ الذم على حبِّ الدنيا مطلقاً أو عاماً، فالمراد به هذا الجنس، بدليل قوله تعالى: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (٢٠٠) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (٢٠١) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [البقرة: ٢٠٠ - ٢٠٢]، وقوله: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} [الصف: ١٣]، وقول عيسى: {أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} ... إلى: {وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِين} [المائدة: ١١٤]، فهذه الآيات خاصة تبين تلك (٣) العمومات، وأن المذمومين في تلك العمومات هم الذين قالوا: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}.

وقد يرتقي حب الدنيا إلى مرتبة الندب والاستحباب مع حسن النية في قصد العفاف بالعفاف (٤) عن الحرام، وكفاية الأهل وصلة الأرحام والإخوان، وإعانة الضعيف، وإطعام الطعام.


(١) في " التفسير الكبير " ١٨/ ٧٢.
(٢) في (ف): " عينها ".
(٣) في (ش): " لك "، وفي (ف): " هذه ".
(٤) في (ش) و (د): " بالحلال ".

<<  <  ج: ص:  >  >>