للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أوبقتُ نفسي، فقال الزهري: وكيف ذاك (١)؟ فقال: أتاني آتٍ (٢) فقال: إنه ما أصاب أحدٌ من دماء آل محمدٍ شيئاً إلاَّ أوبَقَ نفسه من رحمة الله. قال: فخرج الزهري وهو يقول: أما والله لقد أوبقت نفسك، وأنت الآن أوبقُ.

فهذا الكلام مما يدلُّ على جلالة قدر الرجل، فإنه لا يصدع بقول الحق عند هشام إلاَّ من هو من أهل الديانة والجلالة، وأين مرتبة الأجناد من هذا الكلام، ولا يعرف بقدر هذه الكلمة وأمثالها إلاَّ من يعرِفُ بخبر هشامٍ ويكبره.

ولأمرٍ ما عظَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النُّطق بالحق عند أئمة الجَوْرِ، فقال عليه السلام: " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " (٣).

قال العلماء في شرح الحديث: وإنما كانت أفضل الجهاد، لأن المجاهد يتمكن من الدفع عن نفسه، والذي عند أهل الجور لا يتمكن من ذلك.

الوجه الثاني: ما ذكره يعقوب بن شيبة (٤) الثقة المشهور، قال: حدثني محمد بن إدريس الشافعي، قال: حدثنا عمي، قال: دخل سليمان بن يسارٍ على هشامٍ، فقال: من الذي تولَّى كِبْرَهُ؟ قال: عبد الله بن أُبي بن سلول.

قال: كذبت، هو علي، من هو يا ابن شهاب؟ قال: عبد الله بن أبي بن سلول، قال: كذبت هو علي، قال: أنا أكذب، لا أبالك؟! فوالله لو ناداني منادٍ من السماء أن الله قد أحل الكذب ما كذبت، حدثني سعيد بن المسيب، وعروة، وعبد الله، وعلقمة بن وقاص، عن عائشة أن الذي تولّى كِبْرَه عبد الله بن أبي بن سلول.

قال: فلم يزل القوم يُغرون به حتى قال له هشام: ارحل، فوالله ما ينبغي


(١) في (ش): " ذلك ".
(٢) قوله: " فقال: أتاني آت " ساقط من (ف).
(٣) تقدم تخريجه ٢/ ٦٨.
(٤) في الأصول: " ابن أبي شيبة "، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>