للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكانوا مؤمنين ينفعُهم إيمانُهم، ويُنجيهم من عذاب الله، كقولهم: {لو شاء الله ما أشركنا} [الأنعام: ١٤٨] أي: لصرفنا عن الشرك بمشيئته، فهدانا بالإيمان الذي به سَعِدَ (١) المؤمنون.

وإذا تتبعت آيات المشيئة، اضطرَّك مجموعها إلى القطع بما ذكرناه، وأفادك رِكَّةَ تأويلات المعتزلة، بل بطلانها، فمن ذلك قوله تعالى: {ولو شِئْنا لرَفَعْناه بها} بعد قوله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف: ١٧٥]، فإن الآية الأولى دلَّت على أنه لما انسلخ من آيات الله باطراحها، والعمل بخلافها وقع في مَهْواةٍ من الهلكة، استولى عليه فيها الشيطان، ثم جاءت الآية الثانية مبينة أن الله عزَّ وجلَّ لو شاء، لعصمه عصمة أوليائه الصالحين، فقال عز وجل: {ولو شئنا} أي: أن نرفعه ونُنجيَه من الهلكة، ونَعْصِمَهُ من الوقوع في المعصية، لرفعناه بها، أي: بالآيات التي أوتيها، وهذه المشيئة التي دلَّت " لو " على انتفائها ليست هي مشيئة الإكراه، لأن تلك لا ترفعه ولا تنفعه، وعلَّلَ سبحانه عدم المشيئة بقوله: {ولكنَّه أخْلَدَ إلى الأرضِ واتَّبَعَ هَواهُ} [الأعراف: ١٧٦] أي: بسبب ركونه إلى الأرض، ونسيانه الآخرة، واتباع هواه، استحقَّ انتفاء مشيئة نجاته وعصمته، فجعل الامتناع من رفعه عقوبته على اتباع هواه وإخلاده، لا عدم انتفاعه بإكراهه، ولا عدم القدرة على إرشاده، وفيه تنبيهٌ على أنه عُوقِبَ على اتباع هواه بترك هدايته النافعة، وأما ترك إكراهه، فليس بعقوبةٍ كما أن إكراهه ليس بنعمةٍ ولا مثوبةٍ.

ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الأنعام: ١١١] فلو كانت هذه المشيئة المذكورة (٢) هي مشيئة الإكراه، لكان المعنى على زعمهم أنه لا


(١) في (ش): يسعد.
(٢) في (ش) زيادة: في الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>