للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي يستحق بها الثناء والثواب، ويلزم من لم يقبلها حصول الذم والعقاب، وهي الهداية التي تكرَّر وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحرص عليها، والعجز عنها، والرغبة إلى الله تعالى فيها، والمبالغة في طلبها بعبارات متنوعة وصيغ مختلفة كقوله عز وجل: {إنَّك لا تهدي من أحببتَ ولكنَّ الله يَهْدِي مَنْ يَشاءُ} [القصص: ٥٦]، وقوله تعالى: {لعلَّكَ باخِعٌ نفسَك أن لا يكونُوا مؤمنين} [الشعراء: ٣]، وقوله: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [فاطر: ٨]، وقوله: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [يونس: ٩٩ - ١٠٠].

وأمثال هذه السياقات مما يدلُّ على أن الله عزَّ وجلَّ لو شاء لحصل منهم المطلوب، ولكنه لم يشأ ذلك لبالغ حكمته التي عجز عن دركها أذكياء النُّظار، وعَشِيَتْ عن أنوارها المضيئة منهم الأبصار، وفيها قال الله عز وجل: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: ٢٣]، وفي جواب: {أتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها}، قال: {إنِّي أعلَمُ ما لا تَعْلَمون} [البقرة: ٣٠].

ومن ذلك ما حكاه الله عن المشركين من قولهم: {لو شاءَ الله ما أشْرَكْنا} [الأنعام: ١٤٨] مع قوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} (١) [الأنعام: ١٠٧]، وقوله: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: ١٤٩] المعلوم (٢) أن هذه الهداية هي التي ينتفعون بها لا الإكراه الذي يمنع نسبة الفعل إلى المكره، ولا يُغني عنه شيئاً.

وكذلك قوله عز وجل: {ولو شاء الله ما أشركوا} [الأنعام: ١٠٧] أي:


(١) من قوله: " مع قوله " إلى هنا ساقط من (ش).
(٢) في (ش): فمعلوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>