فإن جَحَدتَ هذا المعنى، وأنكرت تصوره في العقول، جحدتَ الضرورة، وإن أقررت به ولكن قلت: ما الذي ألجأهم إلى هذا؟ وقلت: مقدورٌ بين قادِرَيْنِ غير صحيح في العقل.
فالجواب: أن هاتين مسألتان غير الجبر، فأما الجبر، فقد تخلصوا منه، ومن جميع ما يترتب عليه من الشَّناعَات، وسوف يظهر ذلك بذكر ما يَرِدُ عليه، ويُجيبون به.
وأما هاتان المسألتان، فهما من دقيق المسائل التي لم تُعْلَمْ من ضرورة العقل، ولا من ضرورة الدين، فإن أصابوا فيهما، أجادوا، وإن أخطؤوا فيهما، فقد أخطأ في مثلهما وفي أجْلَى منهما أئمة العلوم المعقولة والمنقولة لأسبابٍ لا يعرفها إلاَّ من خاض الغَمَرات التي خاضوها، أو راض نفسه مع معاناة الدقائق كما راضوها.
وكفى لهم أسوةً في هذه المسألة شيخ الاعتزال، وعنترة فوارس الجدال إذا دُعِيَ في محافِلِه نزال، الشيخ أبو علي الجُبَّائي المتكلم الشهير، فإنه التجأ في مسألة القرآن إلى القول بأن تلاوة التالي المسموعة كلامان اثنان حقيقيان:
أحدهما: كلام الله تعالى، تكلم به في لسان التالي عند تلاوته.
وثانيهما: كلام التالي، تكلم به مع كلام الله تعالى، فالسامع له سامعٌ لله وسامعٌ من الله على الحقيقة، وعلى الحدِّ الذي سمع منه موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام.
وكذلك قال: إن كلام الله باقٍ، وإنه يَحُلُّ في الخط المكتوب، ويظهر مع الصوت وهو غير الصوت.
= ثم لَحِق بأصبهان، وغلب على تلك الديار، ثم ظفر به أبو مسلم الخراساني فقتله، وقيل: بل سجنه إلى أن مات في حدود الثلاثين.