للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من البحث الطويل، والبُعْدِ الكثير، والجمع بين المختلفات، والتَّحرِّي والإنصاف وتوفية الاجتهاد حقه في طلب الظن الأقوى، وتمهيد قواعد ذلك حسب الإمكان.

وقد يعضد من وقف على تصحيح حديثه بأن مدار الجواب على الحمل على السلامة، ولو بالتأويل الممكن المرجوح لقرائن تُصَيِّرُ ذلك المرجوح راجحاً عند من وثَّقه، وتلك القرائن ثبوت عدالته، وكثرة الثناء عليه، مع أن القدح لم يكن بأمرٍ قطعيٍّ لا يحتمل التأويل.

ويقوي هذا العذر لمن وثقه: ما عُلِمَ من طباع البشر في سوء الظن بمن عَلِمَ ما لا يعلمون، أو روى ما لا يعرفون، وكفى في ذلك بقصة الخَضِر مع موسى عليه السلام، فإنه لما رأى منه ما لا يعرف له وجهاً، قطع ببادىء الرأي بقبحه وإنكاره، ولم يصبر، مع أن الله تعالى هو الذي أخبره عن تفضيل الخضر عليه في العلم، ومع ما تقدم من تحذير الخضر له من عدم الصبر ومن وعده بالصبر، ثم أعجب من هذا: تكرُّرُ هذا منه، وعدم اعتباره (١) بالمرة الأولى، وهذه القصة -كما قيل- تكُفُّ كفَّ الاعتراض على الأعلم (٢).

ومن ذلك حديث بريدة في قصة السبِيَّة التي أخذها علي عليه السلام من المغنم، ووطئها، فأنكروا ذلك عليه، وكتبوا مع بُريدة كتاباً بذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قاطعين بقُبحه، حتى ذبَّ عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والحديث معروف في " البخاري "، و" مسند أحمد " وغيرهما (٣).

وهذا بابٌ واسعٌ، لو بسطته، لطال الكلام، والقليل يكفي المنصف عِبْرَةً.

وقد تبادر كثيرٌ من أهل العلم إلى القطع بالتكذيب حين يسمعون المستَبْعَدات، وقد كان عمر بن الخطاب من أسوأ الناس ظنَّاً بمن روى ما لا


(١) في (ف): " اعتبار ".
(٢) في (ف): " عن الاعتراض ".
(٣) أخرجه أحمد ٥/ ٣٥١ و٣٥٩، والبخاري (٤٣٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>