قلنا: إنَّه كان حافظاً لذلك عن ظهر قلبه أو لا، أمّا إن لم يكن حافظاً لذلك، فظاهر، وأمّا إن كان حافظاً له، فلأنَّه إنَّما كتبها، وعلَّقها مع سيفِه ليرجِعَ إليها عند الالتباس، لأن ذِكْر أسنانِ الإبل، ونصابَ زكاتها، ومقادِيرَ الدِّيات لا يصْلُحُ أن يكون تعلَّقه تميمة، ولا اتخذه عُوذةً، فلا وجه لإيجاب الحفظِ.
الحجة الرابعة: ما قَدَّمنا ذكرَه مِن دعوى المنصور بالله، والحافِظِ يعقوب بن سفيان، والحافظ ابن كثير للإجماع على رجوعِ الصحابة إلى كتاب عمرو بن حزم، ورجوع عمر إليه في دية الأصابع، وكذلك كتابُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الذي كتبه في الصدقات لأبي بكر وكذلك سائرُ الكتب النبوية التي كتبها -عليه السلامُ- للمسلمين إلى سائر آفاق الإسلام، لم يُنْقَلْ أنّه -عليه السلام- أمر أحداً ممَّن كتبت له بحفظها عن ظهر قلبه، وأوجب ذلك على من أراد العملَ بها وهو -عليه السلام- المُبَيِّن للأمة، الناصح للخلق، الأمينُ على الوحي، فلا هُدَى أوضحُ من هداه، ولا اقتداء بأحدٍ أفضلُ مِمَّن اختاره اللهُ واصطفاه.
الحجة الخامسة: أن الصحابة أجمعت أنَّه لا يجب حفظُ النَّصِّ على المجتهد، وإنَّما يجب عليه البحثُ عند حدوث الحادثة، وذلِكَ ظاهر، فإن أبا بكر حين سألته الجَدَّةُ نصيبَها قال لها: ما لَكِ في كتابِ اللهِ من شيءٍ وما علمتُ لَكِ في سُنَّة رسولِ الله من شيء، ثم سأل الناسَ، فأخبره المغيرةُ، ومحمدُ بن مسلمة أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض لها السُّدُسَ فأمضاه لها (١). فلم يكن حافظاً للنص قبلَ حدوث هذه