انطماسِ معالم العلم، وتعفي رسوم الهُدى إلا تقليد الموتى، للزِم من ذلك أن تبطل الطريق إلى جواز تقليد الموتى، لأن التقليد لهم لا يجوز إلا بدليل يستند إلى معرفة الكتاب والسنة، والاستدلالُ بالإجماع على تقليد الموتى لا يصح بوجهين: أحدُهما: أنه قد ادُّعي الإجماعُ على تحريمه.
رواه المؤيَّد بالله -عليه السلام- في " الإفادة " في باب كيفية إزالة المنكر -ولفظُه-: وكثير من العلماء قالوا: إنه لا يجوز تقليدُ الميِّت، وادَّعوا الإجماعَ في ذلك. انتهي بحروفه. فالرجوع إلى الإجماع يُوجِبُ المنع منه.
الثاني: سلَّمنا أنه لم يَصِحَّ الإجماعُ على تحريمه، فلا شك أن قولَ الجماهيرِ من المعتزلة والزيدية تحريمُه، فأمَّا إجماعُ العامَّة عليه في الأعصار المتأخرة، فلا يُعتبر، إذ لا عِبرة في الإجماع بالعامة منفردين بالاتفاق، وانعقادُ الإجماع بعد الخلاف الكثير الشائع متعذِّر عادة، ولو سلمنا هذا الإجماع، فهو إجماع ظنيٌّ لا تثبت صحتُه إلا اجتهاداً بالاتِّفاق، وذلك لا يصح إلا معَ صحة الرجوعِ إلى الكتاب والسُّنَّةِ والقياس، والاستدلالُ بقوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون}[النحل: ٤٣] يحتاج إلى معرفة أنها غيرُ منسوخةٍ ولا مخصَّصة ولا معارَضة، ويحتاج إلى معرفة معناها، فهذان أمرانِ:
أحدهما: معرفة أنها غيرُ منسوخةٍ ولا مخصَّصَةٍ ولا معارَضة، والمعرفة لهذا تنبني على أن هنا سنة معروفة، وإلى معرفة ما فيها طريق مسلوكة بها يعرف أن فيها ناسخاً ومخصصاً ومعارضاً، أو وأنه ليس فيها شيءٌ من ذلك. والاستدلال بالأخبار يحتاج أيضاً إلى بقاء طريق الأخبار.
وثانيهما: معرفةُ معناها، ولا بُدَّ فيه من النظر، إذ ليسَ معلوماً