مَعْرِضِ التفسير للاجتهاد، لأنَّ مَن خلقها اللهُ له، ومنحه إيَّاها، فقد حصلت له بسهولة، ومن لم يخلُقْها له، فقد أراحه باليأس مِن نيلها وسقوطِ التكليف بالاجتهاد المنوطِ بحصولها، وإن كانت مقدورةً للعباد، فلا معنى للصَّدِّ عن التعرُّض للمقدوراتِ من الأعمال الصالحات، وقد قدَّمنا تقريرَه، ولا وجهَ لِذلك، بل هُوَ من جملة المحرَّمات أو المكروهات.
وأمَّا الأمر الثاني -وهو حفظُ أقوالِ الله وحفظُ أقوالِ رسول الله، وحفظُ مسائل الإجماع- فالجواب عليه يتم بفصلين:
الفصلُ الأوَّل: في أنَّه لا يجب الإحاطة بجميع ذلك على سبيلِ القطع، وأنّ المعتبر في ذلك هو الطلبُ حتى لا يَجِدَ، ولا يَظُنَّ وجودَ النصِّ والظاهرِ، ثم يجوز الحكم بالرأي والاجتهاد بعدَ ذلك. وقد مرَّ الدليل على ذلك فيما تقدَّم، وبيان القدر الواجب منه، وبيان نصوص العلماء في ذلك والدليل عليه.
الفصل الثاني: في أنَّه لا يجب حفظُ ما تجبُ معرفته من ذلك عن ظهر القلب، وفيه فائدتان:
إحداهما: في ذكر مَنْ نصَّ من العلماء على أنَّ ذلك لا يجب، وأنّا ما علمنا أنَّ أحداً من العلماء سبق السَّيِّد إلى النَّصِّ على وجوب ذلك من السَّلَف ولا الخلف، ولا أنكر على من نصَّ على عدم وجوبه.
أمَّا مَنْ نصَّ على ذلك، فغيرُ واحد مثل الإمام يحيى بن حمزة من أئمة العترة -عليهم السلامُ- ذكره في " المعيار "، وممَّن ذكر أنَّ ذلك لا يجب: القاضي العلامةُ فخرُ الدِّين عبد الله بن حسن الدّواري -قدَّسَ الله روحه- ذكر هذه المسألة في كتبه وتعاليقه الكلاميّة والأصوليّة والفقهية وكان