للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجادلة ويَكبُو، فالأمر في ذلك قريب؛ إنْ أخطأ، فَمَن الذي عُصمَ، وإن خُطىءَ فمَن الذي ما وُصِم. والقاصد لوجه الله لا يخافُ أن يُنقد عليه خَلَلٌ في كلامه، ولا يهاب أن يُدلَّ على بطلان قوله، بل يحب الحق من حيث أتاه، ويقبل الهُدى ممن أهداه، بل المخاشنة بالحق والنصيحة، أحبُّ إليه من المداهنة على الأقوال القبيحة، وصديقك من أصْدَقَكَ لا من صَدَّقَك، وفي نوابغ الكلِمِ، وبدائع الحكَم، عليك بمن يُنذر الإبسالَ والإبلاس، وإياك ومَنْ يقول: لا باسَ ولا تاس.

فإن وقف على كلامي ذكي لا يسْتقويه، أو جافٍ يَسْخرُ منه وَيسْتَزْريه، فالأولى بالذكي أن يحفظ لي جنَاحَ الذُّلِّ من الرحمة، ويشكرَ اللهَ على أن فَضَّلهُ عليَّ بالحكمة، وأما الآخر الزَّاري، وزَنْد الجهالةِ الواري؛ فإن العلاج لِترقيق طبعه الجامد، هو الضرب في الحديد البارد، ولذلك أمَرَ اللهُ بالإعراض عن الجاهلين، وَمدَح به عبادَهُ الصالحين.

ثم إني ترددتُ في كيفية الجواب منَ الإيجاز والإطناب، إذ كان في كلٍّ منهما محامد، ولكلٍ فيهما مقاصد، ففي الإيجاز تأليفُ النفوس الأوابد، وفي الإطناب توسيعُ دائرة الفوائد.

وصَدَّني عن التوسيع والتكثير خشية التنفير والتأخير. أما التنفير، فلأنه يُمِلُّ الكاتبَ والمكتوبَ إليه، والمتطلع إلى رؤية الجواب، والوقوف عليه، مع أنَّ القليل يكفي المنصفَ، والكثير لا يكفي المُتعَسِّف، وضوء البرق المنير يدُلُ على النور الغزير.

وأما التأخير: فلأن التوسيع يحتاج إلى تمهيل عرائس الأفكار، حتى يستكمل الزينة، ومطالعة نفائس الأسْفار الحافلة بالأنظار الرصينة، والآثار

<<  <  ج: ص:  >  >>