ونُفِيَ تعسُّره، ولعلَّ الذي يَسَّره له، أو صَبَّرَهُ على طلبه حتى ناله يَهَبُ لِغيره ما وَهَبَ {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا}[الإسراء: ٢٠]. وإن لم يكن مجتهداً فهو لا يَعْرِفُ الاجتهادَ، فلا يَصِحُّ منه الحكمُ عليه بتعذرٍ ولا تعسُّر، ولا سُهولةٍ ولا تيسُّر، ولا نفيٍ ولا إثبات. وفي هذا مباحثُ طويلة، قد جمعتُها في رسالةٍ مفردَةٍ، وبعضُها أو كلُّها لا يخفي على الذكِيِّ مع التَّأمُّلِ.
التنبيه الحادي والعِشرين: أنَّ السَّيِّد -أيَّده الله- عَظَّمَ الكلام في معرفة الجرح والتعديل، وعَوَّل عليه في التَّعسير كُلَّ التعويل، وهو عمودُ تعسيره الدي يدور عليه، وأصلُه الذي يعود عليه، ولم يُنبِّهِ السَّيِّد -أيده الله- على أن فيه خلافاً ألبتة، كأنه لا يَعْرِفُ فيه لأحدٍ قولاً، والقولُ بتركِ البحث عنه، وبأنَّه غيرُ واجب، هو القولُ المشهور المستفيض بينَ علماء الزَّيدية والمعتزلة، وهو قولُ المالكية، والحنفية. وادعى ابن جرير الطَّبري. أنه إجماعُ التابعين، وهو قول الشافعي في بعض المراسيل، وهو الذي عليه عَمَلُ النَّاسِ في بلاد الزَّيدية، وليس يُوجد في خزائنِ الأئمة كتاب في الجرح والتعديل بخلاف سائر العلوم.
فليت شعري ما سببُ الإضراب عن ذكرِ هذا؟! ومن أين للسَّيِّد -أيده الله- أني أشترط معرفة الجرح والتعديل؟ وما أمِنَهُ أني أقبلُ المرسل من الثقة، فإن كان يُنْكِرُ على مَنْ لم يشترط ذلك، فليُنْكِرْ على غيري من جماهير العلماء، وما خَصَّني بالنكير، وإن كان لا يُنكرُ ذلك؛ فما باله عَسَّر وشدد، وهَوَّلَ وحَرَّجَ في أمرٍ الخلافُ فيه أظهرُ من الشمس عند مَنْ لَهُ أدنى معرفة بالأصول، وَهَلاَّ وقف التَّعسير على القول بإيجابِ معرفة ذلك، ولكنَّ كتابه -أيَّده الله- مبنيٌّ على الميلِ إلى التغليظ في الأمور والتحريج،