للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموضع مما كنت أظنه أرفع مكاناً من (١) أن يخفى عليه مثله هو ما عرف أن الرجلين لم يقولا: إن الإيمان هو ترك الشهادتين، حتى إذا قاتل النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك كان قد قاتل على الإيمان، إنما قالا: الإيمان هو التصديق بالقلب، وعلى المؤمن بقلبه واجباتٌ أُخَرُ يستحق تاركها القتال بتركها، وإن كان مؤمناً، وهو النطق بالشهادتين وسائر أركان الإسلام الأربعة، وغيرها (٢) مما ورد الشرع بقتال تاركه، أو قتال مرتكبه، وليس يخالف في هذه الجملة أحد من أهل الإسلام، فكيف غفل السيد عن هذا؟ وكيف ظن أن الغزالي والرازي -مع تبحُّرهما في العلوم، وتوغُّلهما في الدقائق- يذهبان إلى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقاتل من آمن بقلبه، ولم يَنْطِقْ بالإيمان على ما أضمر في قلبه من الإيمان بالله سبحانه، هو ما درى أن النطق بالشهادتين (٣) عندهما واجبٌ كالصلاة، والزكاة، والحج، وصوم شهر رمضان، هو ما عرف أنه يجوزُ عند جميع أهل الإسلام للرسول بل للإمام أن يقاتل من ترك أحد أركان الإسلام، وإن لم يكفر التارك لأحدها، أليس قد صرح الرازي في كلامه الذي حكى عنه السيد أن للدين واجباتٍ، وفيه محرمات، حتى تكلم في من آمن بقلبه، وترك جميع الواجبات، وارتكب جميع المحرمات؟ فهو يقول: النبي - صلى الله عليه وسلم - قاتل تارك الشهادتين على ترك واجب من واجبات الإسلام التي، يكفر تاركها، لا على أنه آمن بقلبه، وكيف يكون القتال على ذلك؟ وهل يمكن أن يكون المطلوب بالقتال على الإيمان بالقلب إلاَّ اعتقاد الكفر بالقلب؟ وكيف ظن بهما هذا؟ وأي كلام لهما يقتضي هذا، والرسول (٤) - صلى الله عليه وسلم - لم يُقاتل على ما في القلوب من الكفر، بل وَكَلَ الناس إلى ظواهرهم؟ فكيف يقاتل على ما في القلوب من الإيمان؟

الوهم الثالث والعشرون: ظن السيد أن الاحتجاج بالحديث يصح في آخر كتابه، ويمتنع في أوله، فإنه منع في أوله (٥) من الاحتجاج بالحديث النبوي لعدم


(١) ساقطة من (ب).
(٢) في (ب): وغيرهما.
(٣) في (ش): أن الشهادتين.
(٤) في (د): والنبي.
(٥) قوله: " فإنه منع في أوله " ساقط من (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>