للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يغْفِرُ لأهل التوحيد بسَعَةِ كرمه ورحمته مِن غير تكذيب للوعيد، ولكن لما ورد في السمع مما ظاهرُه ذلك (١) فقال بذلك على سبيلِ الإيمان بالسمع من غير جُرأة على المعاصي، فلم يَردْ نصٌّ في كتاب الله تعالى، ولا في سُنَّةِ رسول الله أن مَنْ حافظ على الواجبات، واجتنب المحرمات، وعُرِفَ بالصِّدْقِ والأمانة، فإنه إذا اعتقد أن الله يَغْفِرُ لأهل التوحيد لشبهةٍ اعتقدها في ذلك، فإنها تُرَدُّ شهادته، ولا تُقبل روايتُه.

الوجه الخامس: أن مجرَّدَ اعتقاد أن الله يتفضَّلُ بمغفرة الذنوب (٢) من غير أن يجب عليه ذلك بالتوبةِ، وتكفير الصغائر ليس مما يدُلُّ على كذب من اعتقد ذلك. ولو أن عبداً من عبيد المخلوقين اعتقد في سيِّدِه أنه في غاية الكرم والحِلْمِ والمسامحة من غير وجوب عليه لم يدُلُّ ذلك على أن جميعَ مَا رَوَى عن سيده، فإنه كذب، وجميعُ ما أمره به سيده، فإنه يعصيه فيه، بل قد يكونُ هذا العبد في غاية الإجلال له والطاعة مع اعتقاده لحلمه وكرمه رغبةً منه في محبة سيده، واستجلاباً لخيراته أو (٣) محبة منه لسيده، وشكراً له على نعمائه، وكذلك عَمَلُ الناس مع إخوانهم وأهل الحِلم والكرم مِن أقاربهم، فلم يكن قرابةُ الأحنفِ وعشيرته يكذِبُونَ عليه، ويَعُقُّونَ رَحِمَه لأجل حِلمه، ولو كان لأحدنا صديق في غاية الحِلم والكرم بحيث يعرف أنَّه لا يؤاخِذُنَا، لم يكذب عليه ويَعُقَّه، ويجعل ذلك عادةً مستمرة، بل قد يزيدُه حلْمُهُ وكَرَمه رغبةً في طاعته، وزيادة في محبته، وكم من مَهيبٍ يُعصى وتُحتمل عقوبته لأجل بغضه، ومساوىء


(١) في (ب): يقتضي ذلك.
(٢) في (ب): بالمغفرة للذنوب.
(٣) في (ب): و.

<<  <  ج: ص:  >  >>