للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير نكير، ولا قدح على من اختار ذلك، فما خصَّ المحدِّثين بالنكير؟ وقد صرَّح الشيخُ أبو الحسين في " المعتمد" (١) باختيار مذهب المحدِّثين، فقال -ما لفظه-: واعلم أنه إذا ثبت اعتبارُ العدالة وغيرِها مِن الشروط التي ذكرناها، وجب إن كان لها ظاهرٌ أن نعتمِدَ عليه، وإلا لَزِمَ اختبارُها. ولا شُبهة أن في بعض الأزمان كَزَمَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كانت العدالةُ منوطة بالإسلام، وكان الظاهرُ من المسلم كونَه عدلاً. ولهذا اقتصر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في قبولِ خبرِ الأعرابيِّ عن رؤيةِ الهِلال على ظاهر إسلامه، واقتصرت الصحابةُ على إسلامِ مَنْ كان يروي الأخبار من الأعراب. فأمَّا الأزمانُ التي كثرت فيها الخياناتُ ممن يعتقد الإسلام، فليس الظاهرُ من إسلامِ الإنسان كونه عدلاً، فلا بد من اختباره. وقد ذكر الفقهاء هذا التفصيل. انتهى كلامُ الشيخ. وفيه فائدتان:

أحدهُما: أنه روى مذهب المحدِّثين عن الصحابة وأنهم كانوا يقبلون أحاديثَ الأعراب، بل هذا أوسع من مذهب المحدِّثين لأنهم اقتصروا على من رأى النبي مِن الأعراب.

وثانيهما: روايته أن الفقهاء ذهبوا إلى ما ذهب إليه المحدثون، بل إلى قبول جميع المسلمين في وقته -عليه السلام- وإن لم يكونوا أصحابه.

وقال الحاكم في " شرح العيون، -ما لفظه-: واحتجُّوا بأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قبل خبر الأعرابيِّ لما أظهر الشهادتين ولم يعتبِرْ شيئاً آخر.

والجواب: وَلِمَ قلتَ: إنَّه لم يعْرِفْ مِن أحواله ما اقتضى العدالة.


(١) ٢/ ١٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>