للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفائدة الثانية: وهي الدليل على عدم وجوب ذلك، فالدليل عليه إحدى عشرة حجة:

الحجة الأولى: أنَّ الرجوع إلى الكتاب يُفيد ما يفيده الحفظ مِن ظن صحة الدليل المعوَّل عليه في الاجتهاديّات.

فإن قلتَ: إنَّ الحِفظَ يُفيدُ العلمَ، فيأمنُ الحافظ بحفظه مِن الخطأ، والرجوعُ إلى الكتاب يُفيد الظن.

قلت: هذا ممنوع لوجهين:

أحدهما: أن الحافظ لأدلة الاجتهاد، وإن علم أنَّه حافظ لها، فثبوتُها عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مظنونٌ، وثبوت معاني الظواهر من القرآن وسائر المتواترات مظنون. أمَّا ما كان لفظُهُ معلوماً ومعناه معلوماً، فليس من الاجتهاد في شيء، ذاك بابٌ آخر لم يتكلم فيه، فإذا كان الأصلُ مظنوناً، فلا معنى لاشتراط العلم في صفة نقله، فإنَّ وجوب حفظه فرعٌ على كونه من كلام النبي -عليه السلام- ولم يجب العلم في الأصل، فإيجابه في الفرع يُؤدي إلى أن يكون الفرعُ أقوى من أصله، وهذا ظاهر السقوط.

وثانيهما: أن نقول: ما مُرادُك بأنَّ الحافظ يأمنُ الخطأ بحفظه؟ هل مُرَادك أن أمانه للخطأ دائم أو أكثري؟ الأول ممنوع، والثاني مسلَّم ولا يضر تسليمُهُ، إنّما كان الأول ممنوعاً، لأنَّا نعلم بالضرورة التجريبية أنَّ الحافظ قد يَغْلَطُ في حفظه، وقد صَحَّ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يتلو آية فقال- عليه السلامُ-: " رَحِمَكَ اللهُ لَقَدْ أذكَرْتَنِي آيةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا " (١).


(١) أخرجه من حديث عائشة رضي الله عنها البخاري (٥٠٣٨)، ومسلم (٧٨٨)، وأبو داود (١٣٣١) وأحمد ٦/ ١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>