فمن طالع كُتُبَ الانتقاد، وَأنِسَ بعلم الرجالِ، عَلِمَ أن الله تعالى لم يُخْلِ العبادَ والبلاد من حُجَةٍ لله تعالى من العِترة الطاهرةِ، وأشياعِهم نجوم العلم الزاهرة، وسائر العلماء الأعلام في جميع مملكة الإسلام.
الوجه الثاني: مِن الجواب على توعير السيد -أيَّدهُ الله- لمسالك العلم بقول بعض أصحاب الشافعي أن نقول: إما أن يكونَ الذي حمل هؤلاء على هذا القول هو أنَّهم نظروا إلى ما اختُص به الإمامُ الشافعي من التبحُّر في الفقه، والتضلُّع في العلم، وسائر ما وهب الله له مِن الكثيرِ الطيب من المناقبِ العزيزةِ، والمعارف الغزيرة، وهذا مُسلَّم لهم، فإنَّ الشافعي رحمه الله إمامُ الإسلام بلا مُدافعةٍ، وَحَبْر الأمة بلا منازعةٍ، لكنهم لما رأوْا كثيراً ممن بعدَه مِن الفقهاء، أو ظنُوا أن جميعُ منْ بعده من العلماء لا يلحقون بشأوه في سَعَة العلم، وحُسن الفهم، قضَوْا بتعذُّرِ الاجتهاد بعده ظناً منهم أن من لم يَكُنْ مثلَه رحمه الله، فليس بمجتهد، فهذا غلطٌ عظيم، ووَهْمٌ فاحش، فإنه لا يلزمُ -إذا فضل اللهُ الشافعي على كثير من خلقه، وأعطاه من العلم أكثر من القدر الواجب في حقِّ المجتهد- أن يُحَرم الاجتهادُ على العلماء من بعده، ألا ترى أنا نقول: إنَّ عليّاً عليه السلامُ أعلمُ الأمة على الإِطلاق، ولم يلزم أنَّه لا مجتهدَ بعده.
وتلخيصُ هذا الوجه: أن للعلم شروطاً محصورةً، ورسوماً معروفة، من جمعها كان عالماً، ومن حازها، صار مجتهداً، وإن كان علي عليه السلام، والهادي عليه السلام، والقاسم أعلم منه، والشافعي، ومالكٌ، وأبو حنيفه أفقه منه. وإنما يَصحُّ كلامُهم لو قد ورد نص شرعي، أو إجماعٌ قطعي أن شرط الاجتهاد أن يكونَ المجتهدُ مثل