وأما إن قالوا: إن ذلك متعذِّر لمثل ما قاله السَّيِّد مِن تهويل شأنِ الاجتهاد، والاستنكارِ لحصوله، والاستبعادِ، فإنا نقول لهم: بَيَنُوا لنا هذا الأمرَ العظيمَ الذي تعذَّرَ بعدَ الشافعي على جميع أمةِ الرسول عليه السلامُ مِن جميع طوائف الإسلام من العلماءِ الأعلام، وشُعَلِ الذكاءِ المتَّقدة، وَنُقَّادِ النظار مِن كل فِرقة في مقدارِ ستة قرون، وهل شرائط الاجتهادِ بعدَ صِحة الإسلام إلاّ قراءة ثلاثةِ فنون: اللغة العربية لفظاً وإعراباً ومعانيَ، والأصولِ، والحديثِ، وجمعُ قدرِ مئتي آية، ومسائلِ الإجماع في كُرّاس أو اثنتين، فإن عَرَضَتْ مسألةٌ دقيقة، وحادثةٌ عويصة راجع المجتهدُ فيها المبرِّزينَ من العلماء، والكُتُبَ الحافِلة من المصنَّفات، كما لم يَزَلْ أهل العلم يفعلون، فإن عَرَفَها، وإلا توقَّفَ فيها كما توقَّف خلق من العلماء (١) في كثيرٍ من المسائل، ولا بُد مِن قراءةِ كتابٍ حافل في كُلِّ فَنٍ من هذه الفنونِ قراءةَ بحثٍ وإتقانٍ، وأصعبُها علمُ العربية، وقد تقدَّمَ بيانُ المحتاج إليه منه، والاستدلالُ على ذلك، وبقيةُ الفنون بعدَه في غاية السُّهُولَةِ على أهل الفِطنة والرغبة، وما أعلم أنَّ أحداً مِن جماهير العلماء نصَّ على أكثر من هذا في شرائط الاجتهاد، لا مِن المتقدمين، ولا مِن المتأخرين، ولا مِن المُيَسيرينَ، ولا مِن المعسِّرينَ. وهذه مصنفاتُ