للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرتبة الخامسة: دون هذه المراتب كلها، وهي الحكم بالوهم لدليلٍ يوجب ذلك.

والوهم أنواعٌ: فمنه الوهم في اللفظ، وهو صحيحٌ مأثورٌ، ومنه حديثُ عائشة في الصحيح في حق ابن عمر لما روى " أن الميت ليُعَذَّبُ ببكاء أهله عليه ". قالت عائشة: ما كذب، ولكنه وَهَلَ (١).

ومنه الوهم في المعنى، ومنه حديث قيام الساعة لمقدار مئة سنة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قال: " إنها لا تأتي مئة سنة حتى قد أتتكم ساعتكم " (٢). هكذا ورد في بعض ألفاظ الصحيح، وساعتهم هي الموت، وهو معنى صحيحٌ، وقد غَلِطَ بعض الرواة في هذا الحديث، فرواه بلفظٍ يوهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد القيامة، فجاء بلفظ القيامة، أو البعث أو النشور، أو نحو ذلك من الألفاظ، فمثل هذا إذا وقع فيه الخطأ، لم يوجب رد الصحاح كلها، لأن الخطأ لا يسلم منه بشر، ولهذا صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: " من كذب عليَّ مُتعمِّداً، فليتبوأ مقعده من النار " (٣)، فقيَّد الوعيد بالتَّعمُّدِ.

وأجمع العلماء على أنه لا يُجرح الثقة بالخطأ في الرواية (٤) إلاَّ إذا كثر ذلك منه، واختلفوا في حد الكثرة ومبلغها على ما هو مقرر في كتب الأصول، وكتب أنواع علوم الحديث، ومن ذلك حَكَمَ جماعةٌ من النحاة واللغويين بلحن الرواة


(١) أخرجه البخاري (١٢٨٦ و١٢٨٧ و١٢٨٨)، ومسلم (٩٢٧) و (٩٢٨) و (٩٢٩)، والنسائي ٤/ ١٨ - ١٩، وابن حبان (٣١٣٦). وانظر أيضاً ابن حبان (٣١٢٣) و (٣١٣٧).
(٢) أخرجه من حديث أبي مسعود البدري أحمد ١/ ٩٣، وابنه عبد الله في " زوائد المسند " ١/ ١٤٠، والطبراني في " الكبير " ١٧/ ١٦٩٣، وأبو يعلى (٤٦٧) و (٥٨٣).
والطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (٣٧٢). وأورده الهيثمي في " المجمع " ١/ ١٩٨، وقال: رجالة ثقات.
(٣) تقدم تخريجه ١/ ١٩٠ و٤٢٨ و٤٤٩ و٢/ ٧٢.
(٤) " في الرواية " ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>