للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإيمان وكماله، وإن كانوا يدخلون في الإيمان في مثل قوله: {فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} [النساء: ٩٢]، وقوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} [المائدة: ٦]، وهذا بابٌ واسعٌ.

قلت: ويعضُدُ هذا القول في تفسير هذه الآية قوله تعالى في قوم موسى عليه السلام: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}، إلى قوله: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الأعراف: ١٣٨ - ١٤٠]، فقد أدخل هؤلاء الجهلة في بني إسرائيل المفضَّلين على العالمين، ومن المعلوم أن هؤلاء الجهلة ليسوا من العلماء بالله، المؤمنين الإيمان الصادق، ولم يكونوا مع ذلك كفاراً ولا منافقين، فكانوا كالذين قال الله فيهم: {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} [الحجرات: ١٤]، والحجة في آية الحجرات في المقصود أن الإيمان الذي لم يحصل لهؤلاء: هو أشرف من إسلامهم الذي قال الله فيهم معه: {وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً والله غفورٌ رحيمٌ} [الحجرات: ١٤]، وكيف لا ينفع الإيمان أهله، وهو أشرف من هذا الإسلام الضعيف الذي نفع أهله؟

وروى ابن تيمية عن الإمام الباقر عليه السلام وغيره من السلف أنهم كانوا يقولون: إن الإسلام دائرةٌ كبيرةٌ، والإيمان دائرة في وسطه، فإذا زنى العبد خرج من الإيمان، لا من الإسلام (١)، لما ثبت في " الصحيحين " عن أبي هريرة، وفي " البخاري " و" النسائي " عن ابن عباسٍ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمنٌ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن " (٢) الحديث ورواه


(١) في (ف): " إلى الإسلام ".
(٢) تقدم تخريجه ٨/ ٨٦. قال الإمام النووي رحمه الله في " شرح مسلم " ٢/ ٤١: هذا الحديث مما اختلف العلماء في معناه، فالقول الصحيح الذي قاله المحققون: إن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تُطلق على نفي الشيء، ويُراد نفيُ كماله ومختاره، كما يقال: لا علم إلاَّ ما نفع، ولا مال إلاَّ الإبل، ولا عيشَ إلاَّ عيشُ =

<<  <  ج: ص:  >  >>