فإن قلتَ: كيف تحتجُّ على الخصمِ بما يُنَازِعُك في صحته مِن حديث ابن ماجة؟
قلتُ: سيأتي الدليلُ على صِحته في الفصلِ الثاني إن شاء اللهُ تعالى، والدليلُ يوجبُ على الخصم الموافقة، كما أنا نحتج بإجماع أهلِ البيت على مَنْ يَقول: إنَّه ليس بحجة بعد أن يُقيمَ الدليلَ على أنَّه حجة.
إذا ثبتَ هذا فنقول: البقاءُ على الأصل حُجة، ورواية الثقة حجة، ولم يَقُلْ أحدٌ من الخلق: إن مخالفة الأصل حجة، ويجب ترجيح البقاءِ على الأصل، لأن حجتين أقوى مِن حُجة، فرواية العدل يعارضها روايةُ عدل مثلِه، ولم يُعَارِضِ الاستصحابَ شيء وهو إما حجة -كما هو رأيُ جماعة-، وإما محتمل أنَّه حجة، إذ الدليلُ على أنَّه ليس بحُجةٍ، ليسَ بقاطع، وهذا وجه ترجيح.
الوجه الثاني: أن نقول: قد ثبت أن الأصلَ لا يُخَالَف إلا بحجة إجماعاً من القائلين بأن الاستصحاب حجة، والقائلين بأنه ليس بحجة، وثبت الإجماع على أن ما يخالِفُ الأصلَ، لا يُقال به إلا بحجة، والذي لا يُنْتَقلُ عنه إلا بحجة أقوى من الذي لا يُقال به إلا بحجة.
الإشكال الخامس: أنَّه قد روى الإجماع على قبولهما ثلاثةٌ من أئمة الزيدية، واثنان من عُلمائهم، وهم المؤيدُ والمنصورُ، ويحيى بنُ حمزة عليهم السلامُ، والقاضي زيد، وعبدُ الله بن زيد رضي الله عنهما، وسيأتي في الفصل الثاني بيانُ روايتهم إِن شاء الله، وهُمْ أرجحُ مِن قاضي القضاة.
قال: وقال آخرون: الخلافُ في كفار التأويل واقع كما هو واقع في فسَّاق التأويل.