للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشكال الثالث: أن السيدَ رجح روايةَ الإجماع لمخالفتها للأصل، لأن الأصلَ الإجماع، وتوهم أن رواية الخلاف ليست كذلك، وهذا وهم أيضاً، فإن الأصلَ أن لا إجماع وأن لا خلاف، فروايةُ الخلاف أيضاًً مخالفةٌ للأصل، وهذا أيضاًً لا يخفى مثلُه.

فإن قلتَ: إنِّي أرِيدُ أن الأصلَ قبولُهم في العقل، فرواية الإجماع ناقلة.

قلنا: قد قررتَ في كتابك في هذه المسألة بعينها أن الأصل في العقل أن لا يقبلوا.

الإشكال الرابع: أنَّه رَجَّح بمخالفة الأصل، والترجيحُ بها مختلف فيه بين العلماءِ، وهو محتجٌّ على غيرِه، وليس بمحتجِّ لنفسه، ومِنْ حق المحتج على الغير أن لا يحتج عليه بمختلَفٍ فيه مِن غير دليل، بل لا بُد من دليل يُلزمُ ذلك الغيرَ الموافقةَ، وهذا لا يخفي مثله على مَنْ لَهُ معرفة بأساليبِ الجدل والمناظرات.

فنقول: بل ما وافق الأصلَ، فهو أولى لِوجهين:

الوجه الأول: أن الاستصحابَ -وهو البقاء على الأصل- حُجَّةٌ عند كثيرٍ من العلماء (١)، ومما يَدُلُّ على ذلكَ ما ثبت عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله " إنَّ اللهَ فرض فَرَائِضَ فلا تُضَيِّعُوها، وحَدَّ حُدُوداً فلا تَعْتَدُوها، وسَكت عنْ أشْياءَ رَحْمةً لَكُمْ مِن غيْر نسْيَانٍ، فلا تَتَعَرَّضوا لهَا ". رواه ابن ماجة (٢).


(١) انظر لزاماً ما كتبه عن هذه المسألة العلامة الشيخ محمد بخيت، مفتي الديار المصرية في " سلم الوصول " ٤/ ٣٥٨ - ٣٧٦.
(٢) هذا وهم من المؤلف رحمه الله، فالحديث لم يخرجه ابن ماجة، وإنما خرجه =

<<  <  ج: ص:  >  >>