قال: ومِن ذلك قولُه تعالى: {وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِين}[الأعراف: ١٤٢] وهو عام، فدخل فيه قبولُ قولهم.
أقول: يَرِدُ على كلام السَّيِّد بهذه الآية إشكالات:
الإشكال الأول: أنَّه ترك بيان وجه الاستدلال بهذه الآية كأنه لا يحتاج إلى الذكر لوضوحه، فنقول: لا يخلو إما أن يقولَ بالمعنى السابق إلى الأفهام أو يتعنَّت ويُلاحظ ألفاظ العموم، إن كان الأول، فلا شَكَّ أنه لا يَسْبِقُ إلى الأفهام من قوله:{وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِين} لا يُقبل حديث المتأولين المتدينين الذين بلَّغوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يغْلِبُ على ظنِّك أنه صحيح، وأنَّك متى خالفته استحققتَ العقوبةَ من الله تعالى، وإنما يسبق إلى الفهم تحريمُ اتباعِ سبيل المفسدين في الفساد في الأرض الذي هو إخافةُ السبل، وسفكُ الدماء وقد ذكر أهل العلم أن هذا هو المفهومُ في مثل ذلك، فقالوا: إن القائل إذا قال لِغيره: اتبع سبيلَ الصالحين، فُهِمَ أن مرادَه في صلاحِهم، ولا يلزم أن يَتَّبِعَ سبيلَهم فيما ليس مِن قبيل الصلاحِ من سكونِ بُلدانهم التي نشأوا فيها، ولزومِ معايشهم التي اعتادوا جِنسَها ونحو ذلك، بل قال العلماءُ بذلك في حقِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وقد أمرنا الله أن نتأسَّى به، ونقتديَ به- فقالوا: لا يلزمُ من ذلك اتباعُه في أمور الجِبِلَّةِ التي يفعلُها بداعي الطبيعة من كراهة بعض المآكل، وحُبِّ بعضِ الروائح والأزواج ما لم يَكنْ في ذلك قربةٌ ورد بها الشرعُ، وذلك لأنَّا لم نفهم أن متابعتَه في ذلك مرادةٌ بكلامِ الله تعالى، وإن كان إطلاقُ الأمرِ بالتأسي يقتضي ذلك في أصلِ الوضع اللغوي، وكذلك قوله:{وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِين} لم يُرِدِ العمومَ في كُلِّ سبيل حتى لو فعلوا بعضُ المباحات لحرمت علينا، ألا ترى أنَّ بني العباس لمَّا استعملوا القصورَ الحصينة والطبول والآلات