للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العامة، وإنما استفاد الخائضون فيه تحرير العبارات، وإثارة العداوات، وتطويل الخصومات، واستراح أهل الحديث والأثر حين غَلَّقوا هذه الأبواب، وقنعوا بما في أوَّليَّات الفِطَنِ والألباب، وأيَّدُوها بمعارف السنة والكتاب.

فصل: وإذ قد تم الكلام على فِرَق أهل السنة ومقالاتهم وتقريراتهم من نفي (١) الاختيار، بقي تفسيرُ قولهم: إن أفعال العباد مخلوقة، وقولهم: لا خالق إلا الله تعالى، فإن أكثر الغالطين عليهم في مذاهبهم ما غلطوا إلاَّ بسبب قلة الفهم لمرادهم في هاتين المسألتين.

وأنت إذا تأملت ما تقدم من كلامهم، عرفت ذلك، ولكني أحببت زيادة البيان لقوة عصبية المعتزلة عليهم في ذلك.

ولنبدأ بقولهم: إنه لا خالق إلاَّ الله تعالى، وهذا إجماعُ أهل السنة، ونصوص القرآن دالَّةٌ عليه، غير أن هذا الإجمال يحتاج إلى تفصيل مُرادهم، وإيضاح مقصدهم، وعلى معرفته تركيب (٢) معرفة مرادهم بخلق أفعال العباد، وذلك أن " الخلق " لفظةٌ مشتركةٌ بين ثلاثة معانٍ، والألفاط المشتركة يتعرَّض الجدليُّ للتشغيب فيها إن لم يتبين المراد بالنص الجلي، ولا يُكتفى فيها بمجرد القرائن.

فقد يكون الخلقُ بمعنى التقدير، مثل تقدير الخَرَّازين للجلود أنطاعاً وأسقيةً، ونعالاً، والخلق بهذا المعنى يطلق على العباد بشرط دلالة (٣) القرينة عليه، والله سبحانه أجَلُّ من أن يَتَمَدَّح بالتفرد بهذا، قال الله تعالى بهذا (٤) المعنى حكايةً عن عيسى - صلى الله عليه وسلم -: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} [آل عمران: ٤٩]، وقال تعالى: {فَتَبارَكَ الله أحسنُ الخَالِقينَ} [المؤمنون: ١٤].


(١) في (ش): بقاء.
(٢) في (ش): تركب.
(٣) تحرفت في (ش) إلى: الأدلة.
(٤) عبارة " قال الله تعالى بهذا " لم ترد في (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>