الثالث: قوله تعالى: {الذِي أحسَنَ كلَّ شيءٍ خَلَقَهُ}[السجدة: ٧] أي على حسب ما أراد، فوجب وصف جميع مخلوقات الله بالحسن، فلو كان القدرُ المقابل بالجزاء من أفعال العباد مخلوقاً، لم تُوصَفْ معاصيهم بالقبح، ووجب وصف قبائحهم بالحسن، وهذا باطلٌ بالإجماع.
وعلى أن في أهل السنة من يقول: إن الحركة المطلقة وصفٌ إضافيٌّ لا شيءٌ حقيقي، وإن الشيء الحقيقي المخلوق هو المتحرِّك نفسه، لا مجرَّد حركته، وهو القوي الصحيح كما تقدم.
وأما الإمام الجويني وأصحابه، فيقولون بخلق الأفعال كما يقوله أهل السنة، ولكن توجيه ذلك يُشكِلُ عليهم جداً مع قولهم: إن الحركة شيءٌ حقيقيٌّ، وإنها أثر قدرة العبد حتى يتأمل مقصدهم وزال الإشكال.
والإشكال عليهم من وجهين:
الوجه الأول: أنه يلزم أن لا يصح وصفهم لفعل العبد بأنه مخلوق.
والجواب ما ذكره الشهرستاني حيث قال: " وغلا إمام الحرمين حيث أثبت للقدرة الحادثة أثراً هو الوجود، إلاَّ إنه لم يُثْبِتْ للعبد استقلالاً بالوجود ما لم يستند إلى سبب آخر، ثم تسلسل الأسباب في سلسلة الترقِّي إلى البارىء تعالى وهو الخالق المبدىء المستقل بإبداعه من غير احتياجٍ إلى سبب.
وقد أشار الشهرستاني بهذا إلى موافقة الجويني لأهل السنة في مسألتين:
أحدهما: توقُّفُ الأفعال على الدواعي مع أن الدواعي من فعل الله تعالى.
وثانيهما: توقُّف الأفعال على سبق (١) مشيئة الله تعالى وقضائه وقدره على ما مر تحقيقه.