للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشهادة، والشهادة مبنيَّة على العدالة، وهما لا يعرفانِ أهلَ اليمن، ولا يخبُرانِ عدالَتَهم، وهم بغيرِ شكٍّ لا يَجِدُونَ شهوداً على ما يجري بينَهم من الخصوماتِ إلا منهم، فلولا أنَّ الظاهِرَ العدالةُ في أهلِ الإسلام ذلك الزَّمان، وإلا ما كان إلى حكمهما بَيْنَ أهلِ اليمن على الإطلاق سبيل.

الأثر الخامسُ: ما ثبت عن عليٍّ -عليه السلامُ- أنه كان يستحلِف بعضَ الرُّواة، فإن حلف صدَّقه (١). وقد قدَّمنا أنه رواه المنصورُ بالله محتجاً به، وكذلك الإمامُ أبو طالب. وقال الحافظ ابنُ الذهبي: وهو حديثٌ حسنٌ.

والتحليفُ ليس يكون للمخبورين المأمونين، وإنما يكون لمن يُجْهَلُ حالُه، ويجب قبولُه فيقوى -عليه السلام- بيمينه طيبةً لنفسه، وزيادةً في قوة ظنه. ولو كان المستحلَفُ ممن يَحْرُمُ قبولُهُ، لم يحلَّ قبولُه بعدَ يمينه.

وفي هذا أعظمُ دليل على أنه -عليه السلام- إنما اعتبر الظَّنَّ في الأخبار.

الأثرُ السادسُ: حديثُ الجارية السَّوداءِ راعيةِ الغنم التي أراد -عليه السلامُ- أن يتعرَّفَ إيمانَها، ويختبِرَ إسلامها، فقال لها: منْ رَبُّكِ؟ فأشارت، أي: ربها الله، وسألها: من أنا؟ فقالت: رسولُ الله، فقال -عليه السلام-: " هي مؤمنة ". والمؤمن مقبول. وقد وصف الله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتصديقه للمؤمنين في قوله تعالى في صفته: {وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: ٦١] فهذه الجارية حكم -عليه السلامُ- بإسلامها مِن غير اختبار، بل لم يَكنْ يَعْرِفُ أنَّها مسلمة إلا حينئذٍ، وحديثُها هذا حديثُ


= وفي البخاري (٤٣٤١) و (٤٣٤٥) ومسلم (١٧٣٣) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا موسى الأشعري ومعاذاً إلى اليمن، فقال: " يَسِّرا ولا تعسِّرا وبشِّرا ولا تنفِّرا وتطاوعا ... ".
(١) تقدم تخريجه ص ٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>