للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وليس موضع الخلاف بيننا وبينهم في تقبيح هذه القبائح، وإنما موضع الخلاف في أن فاعل القبيح -الذي يسمُّونه صفة نقصٍ، كالكذب الذي ليس بضارٍّ- هل يستحق عليه العقوبة في الآخرة، والذم في الدنيا بمجرد العقل قبل ورود الشرع بذلك، أم لا؟ فهم (١) يقولون: لا نعرف استحقاق ذلك على هذا القدر قبل الشرع بمحض العقل المجرد عن النظر إلى الشرائع والعوائد، بل لا بد من تعريف الشرع بذلك، والمعتزلة تقول: بل يستقلُّ العقل بمعرفة ذلك قبل ورود الشرع به (٢)، ولكن معرفة العقل لذلك عندهم معرفة (٣) جملية، ولا يُهتدى إلى تفصيل (٤) مقدار العقوبة إلاَّ بالشرع، وهذا عندهم هو الذي اختص الشرع ببيانه (٥).

وقال الزركشي في " شرح جمع الجوامع " للسبكي: الحُسْنُ والقبح يُطلق بثلاثة اعتبارات:

أحدها: ما يلائم الطبع وينافره، كإنقاذ الغريق، واتهام البريء.

والثاني: صفة الكمال والنقص، كقولنا: العلم حَسَنٌ، والجهل قبيحٌ، وهو بهذين الاعتبارين عقليٌّ بلا خلاف، إذ العقل يستقل بإدراك الحسن والقبح فيهما (٦)، فلا حاجة في إدراكهما إلى شرعٍ.

والثالث: ما يوجب المدح والذم الشرعي عاجلاً، والثوات والعِقاب آجلاً، فهو محلُّ النِّزاع.


(١) كتب فوقها في (ش): " أي الأشعرية ".
(٢) ساقطة من (ش).
(٣) قوله: " عندهم معرفة " ساقطة من (ف).
(٤) " تفصيل " ساقطة من (ف).
(٥) انظر المحصول ١/ ١/١٥٩ - ١٦٦.
(٦) في (ش): " فيها ".

<<  <  ج: ص:  >  >>