في كتب الحديث متمكن من تمييز أحاديث الصحابة المعدلين وأحاديثِ الأعراب المجهولين على ندورِها وقلتها، وإنَّما يلزم الجهل لو كان أهلُ الحديث يُرسِلُون الأحاديثَ، فأين تعذُّر الاجتهاد؟ وما معنى التشويش في جميع الحديث بأنَّ بعض وفدِ عبد القيس ارتدُّوا وإذا ارتدّ وفدُ عبدِ القيس فمَهْ (١) أتبطُلُ السُّنَّة، ويضيعُ العلمُ، ويلزم أن لا يَصِحَّ حديثُ الثقات من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الكلامُ المعتلُّ؟! والاستدلال المختل؟!
وهذا ذكر جُلةِ الرواة من الصحابة رأيتُ أن أذكر أسماءهم لِيُعْرَفَ أنَّ حديثهم هو الذي يدور عليه الفقه، وينبني عليه العلم، وأنَّ حديث جُفاة الأعرابِ المجاهيل شيءٌ يسيرٌ نادرٌ على تقدير وقوعه، ويُعْلَمَ أنَّه لم يُبْنَ على حديث جفُاة الأعراب حكمٌ شرعيٌّ، فإن اتفق ذلك على سبيل الشذوذ، ففي نادر الأحوال ممن يستجيزُ ذلك من العلماء من غير ضرورة إلى ذلك، فإنه لو لم يستجز الرواية عنهم، كان له في القرآن وما صحَّ من السُّنَّة غُنيةٌ وكفاية.
وإذا أردتَ أن تعرِفَ صدق هذا الكلام، فَأرِنَا مسألة احتج عليها المُحَدِّثون والفقهاءُ بأحاديثِ الأعراب الجُفاة، وأخبرنا بمسألة واحدة تمسَّكوا فيها بأحاديث أولئك الأعراب. وكذلك حديثُ معاوية بن أبي سفيان، فإني ما أعلم أنه قد مرَّ لي في فقه الفُقهاء، ولا مذاهب المحدثين في التحليلِ والتحريم مسألةً ليس لهم فيها حُجَّةٌ إلا حديثَ معاوية وروايتَه، وفي عدمِ ذلك، أو نُدرته ما يدّلُّكَ على ما ذكرنا من أن جلَّة الرواة هُمْ عيونُ الصحابةِ المشاهير لا جُفاةُ الأعراب المجاهيل، فدع عنك هذه الشبَه
(١) أي: فماذا؟، وفي حديث طلاق ابن عمر: قلت: فَمَه أرأيت إن عجز واستحمق؟!.