للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: إن تشبيه رؤية الله برؤية القمر يقتضي تشبيه الله تعالى بالقمر قطعاً.

قلت: هذا ما لم يَقُلْ به مُوحِّدٌ ولا مشبِّهٌ ولا ظاهري ومُؤوِّلٌ، فإنه لو شبه الله تعالى بالقمر ما اقتضى ذلك، ولم يشبِّهه تعالى بالقمر البتة وإنَّما شبه رؤيته، التي هي العلم الضروري عند المعتزلة، برؤية القمر، وقد أجمع العقلاء -دع عنك العلماء- على أن الإنسان لو قال: كرم حاتمٍ معروفٌ كالنهار إذا تجلى، وعلم علي كالقمر إذا بدا، أنه لا يجب المماثلة المحققة (١) في جميع الصفاتِ بين كرم حاتم والنهار، وبين علم علي والقمر.

يوضح ما ذكرته: أنه يجوز عند أهل العلم بلغة العرب أن يقول القائل: سترون كرم ربِّكم يوم القيامة كالقمر في الليلة الصحو، ليس دونه سحابٌ، وإن هذا الكلام لا يقتضي أن يكون كرم الله جسماً منيراً مستديراً على صورة القمر (٢) كما فهم السيد من حديث جريرٍ أنه يقتضي ذلك في حق الله تعالى.

والوجه فيما ذكرته أن المشهور عند علماء المعاني، وأهل اللغة أن تشبيه الشيء بغيره لا يجب أن يكون مثله في كل وصفٍ من صفاتها، وإنما يكون في بعضها، فقد يكون تشبيهاً بذلك الغير في إمكانه، مثل قوله:

فإن تفُقِ الأنام وأنت منهم ... فإن المِسْكَ بعضُ دمِ الغزالِ (٣)

وقد يكون للاستطراف، كتشبيه فحمٍ فيه جمرٌ يتوقَّدُ ببحرٍ من المسك موجه الذهب. ومنه:

ولا زَوَرْدِيَّةٍ تزهو بِزُرْقَتِها ... فوقَ الرِّياض على حُمْرِ اليَواقيت


(١) في (ش): " للحقيقة ".
(٢) في (ف): " كالقمر ".
(٣) البيت من قصيدة للمتنبي يرثي فيها أم سيف الدولة، مطلعها:
نُعِدُّ المشرفِيَّة والعَوَالي ... وتَقْتُلُنا المنونُ بلا قتالِ
انظر الديوان ٣/ ٨ - ٢٠ بشرح العكبري.

<<  <  ج: ص:  >  >>